الأم ماغي خزام

أول إعلام إنساني شرق أوسطي في أمريكا و العالم

...
ماغي-خزام-مقالات
الأم ماغي خزام​

أنواع الحب

أنواع الحب (إيروس، فيلو، أغابي)

ماغي_خزام_أنواع_الحب_مقالة

لا يوجد أحدٌ في كل أنحاء العالم، مُنذ بدءِ التَّكوين، لا يرغب بأن يُحِبَّ ويُحَبَّ، لكن تكمن المشكلة في كونِ الحبِّ في معظم حالاته يُسبب الألم، فقد يُضَحّي أحدُ الطَّرفين أكثر من الآخر، أو أن أَحدُهما يُحبُّ أن يَأخُذَ أكثر مما يُعطِي، أو يَجرح ويُؤذي الآخرَ دون سبب، ويتغاضى الطرفُ الأضعف في العَلاقة عن السلبيات ويتزوَّجان، ثم يكتشِفان أنَّهما ما كان يَنبغي أن يتزوَّجا، فهل الحب في حدّ ذاته هو الخطأ؟
بالطبع ليس كذلك، لأن شُعورَ الحبّ هو من أسمى المشاعرِ البشرية، لكن المشكلةَ تكمُن بكونِنا لا نعرف أي نوعٍ من الحب يحمل الآخر في قلبه تجاهنا، فجميع الأنواع نُسمِّيها حُبّاً، حيث نقول عن الشَّهوة: “يُحبني”، وعن الرَّغبة: “يُحبني”، وكذلك عن الإعجاب: “يُحبني أو أَحبّني”، عِلماً أنَّ كل نوعٍ مِنها ليس له علاقةٌ بالآخر وليست بالضرورة حُبَّاً حقيقيَّاً.
سنستعرض ثلاثة أنواعٍ للحب، من المهم جداً أن نعرفها، ولمعرفتها بِشكلٍ صحيح لا يمكننا تناولها باللُّغة العربية، لأنَّها لُغةٌ ضعيفةٌ قَليلاً بالتَّعبير عن الحب، بل نذهب إلى اللُّغة اليونانيَّة، حيث كانوا يُؤمنون بآلهةِ الحُبِّ قديماً، ويعرفون كيف يُصنِّفون كُلَّ نوعٍ من أنواع الحُبِّ تحديداً، وأهم هذه الأنواع:
1-‏ (إيروس): تعني الرَّغبة، الشَّهوة، يُسمونه الحبَّ الجسديَّ، وعادة حب الإيروس غير قادرٍ على رؤية الآخرَ كشخص، إنما يراه على أنَّه شيءٌ، فهو لديه احتياج معيّنٌ، وهذا الشيء يلبِّي لَهُ هذا الاحتياج.
2- (فيلو أو فيلوس): هو الحب المتبادل الذي يسمُّونه الحُبَّ النفسيَّ، بمعنى “أَحبَّنِي كي أُحبُّك، أَعطِنِي وخُذْ منِي” إنها علاقة متبادلة بالحُب، وهذه غالباً ما نراها في المجتمعات، في الصَّداقة مثلاً، حيث نجد مُتعةَ الأخذِ والعطاء.
3- (أغابي): وهو أروعُ أنواعِ الحُب، إنَّه حُب التَّضحية، يُسمونه الحُبُّ الرُّوحيُّ، لِأنَّه حُبٌّ لا يتأثَّر بالشخص الآخر، سواءً أَعطى أم ليس لديهِ ما يُعطيه، لا في شكله وجماله، ولا إن تَعِبَ أم مَرِضَ أم صار ضَعيفاً، “فأنا أُحِبُّه لأَنَّني أُحبُّه”.
يقدم لنا الكتاب المقدس أمثلة عن هذه الأنواع الثلاثة:
1- إيروس: أوضح الأمثلة عنه هو أمنون بن داود عندما أَحَبَّ أُخته ثامار، ذُكِرَ في الكتاب المقدس “أَحَبَّ” باللغة العربية، لكن إن اطلعنا على الأصل باليونانية نَجِدها “إيروس”، لِأنَّه اشتهى أُخته، و حُبُّ الشَّهوة لم يجعله يُميِّز أنَّ ذلك مُحرَّمٌ، ففي حُب الإيروس يفعل الشَّخص ما يريدُ بغَضِّ النظر عن الوصايا، الشريعة، الحياة، العيب، الحرام… إلخ، حيث تَمارض أمنون وجاء بأخته ثامار لكي تخدمه في المنزل ثم اغتصبها، ويذكر الكتاب المقدس جملةً تُرينا حقيقة نوع الإيروس، حيث يقول الكتاب أن أمنون كرهها أكثر كثيراً جداً ممَّا أحبَّها، في سفر صموئيل الثاني 13 :15 ثُمَّ أَبْغَضَهَا أَمْنُونُ بُغْضَةً شَدِيدَةً جِدًّا، حَتَّى إِنَّ ٱلْبِغْضَةَ ٱلَّتِي أَبْغَضَهَا إِيَّاهَا كَانَتْ أَشَدَّ مِنَ ٱلْمَحَبَّةِ ٱلَّتِي أَحَبَّهَا إِيَّاهَا” لكن لماذا؟! لأنَّ احتياجَهُ منها قد انقَضَى.
أيضاً امرأة فوطيفار في قصة يوسُف في سفر التَّكوين 39 حيث حاولت أن تتحرَّش به، وعندما رفض أن يخونَ أمانةَ سيِّده، قد جَعَلتْ فوطيفار يرميه ظُلماً في السِّجن لِأنَّها اتهمته بالتحرش بها، إنه حب الإيروس الَّذي سيُدمِّرُكَ إن لم يُحقّق مُبتغاه مِنكَ و سيدمرك حتى لو حقَّقَه.
لذلك اهربوا من هذا الحب لأنَّه سيؤذِيكم جِداً حتَّى لو انتهى بالزَّواج فأنت أمامَ شريكٍ يَعرف كيف يأخذ دون أن يُعطي.
2- فيلو: نرى الحب من النوع فيلو عادةً في الصَّداقات، حتَّى في الزَّواج بطريقة الأخذِ والعطاء (أَعطني لأُعطيك، اِشتَري وسأشتَري لَكَ، ما تفعله من أجلي تناله مِنِّي).
فيلو هو الحبُّ النفسيُّ المتبادل، أفضل مثال للحب من النوع فيلو في الكِتاب المقدَّس في سفر صموئيل الأوَّل 20 هو في علاقة داود بيوناثان ابن شاول، حيث أن داوُد هو ملك إسرائيل المستقبلي، ويوناثان هو ابن الملك الحالي شاول والملك الوريث لشاول، فمن المفترض أن تكون العلاقة بينهما كعدوَّين، لكن علاقة الصداقة والحبّ التي جمعتهما جعلتهما يقرران علاقتهما بطريقة مختلفة، حيث كانا يفكران بمصلحة الأُمَّة لا مصلحتهما، فأَعطَى كُل مِنهما نفس الوُعُودِ للآخر، مثلاً (أنت لا تؤذيني، وأنا لا أؤذيك، أنت تحترم أولادي، وأنا أحترم أولادك، لا نقترب من بعضنا بالسوء، وإذا أحسَّ أحدٌ منا بوجود خطرٍ على الآخر يقوم بتنبيهه)، هذا الحبُّ الأخوي المتبادل الذي جمعهما، وبالطبع هناك أمثلةٌ كثيرةٌ في الكتاب المقدس عن هذا النوع من الحب المتبادل. 
3- أغابي: هو الحبّ الأسمى المُفضَّل، وأعظم مثالٍ عنه هو المسيح، ولا يمكن لأيِّ بَشريٍّ أن يصل إلى مستوى هذا الحبّ إلا إذا كان لابساً المسيح والمسيح يسكن فيه.
أغابي يعني أن أُضحِّي وأُحبَّ وأُعطي بغض النظر عمَّن أمامي، فمِن أجل مَنْ قد صُلـِب المسيح؟!
كان المسيح ينظرُ للأشخاص الذين شفى أمراضهم، وخَفَّف أوجاعهم، وطرد الشياطين من أولادهم، وهم ينادون «ٱصلبه! ٱصلبه!» (لوقا 23) «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلَادِنَا» (متى 27) كان ينظر إلى تلاميذه الذين قضى معهم ثلاث سنوات، كيف أنَّهم هرِبوا وتركوه (متى 26 :56) كان ينظر لبطرس الذي خانه وأنكره ثلاث مرات، وهو من كان يقول له «وَلَوِ ٱضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لَا أُنْكِرُكَ!» (متى 26: 35) وكان أوَّل من أنكره، وقال «إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ ٱلرَّجُلَ!» (متى 26: 72)، هو ذاته نظر يهوذا تلميذه الذي غسل رجليه، وناوله لقمة الطعام بفمه، وكسر الخبز معه، وكان مسؤول الصندوق، قد سَلَّمه بثلاثين من الفضة، وباعه وخانه (متى 26: 15)، و الأصعب من كل ذلك أنَّه كان يعرفهم سلفاً وعرف ما سيفعلون به، ورغم ذلك أتمَّ رسالته لفداء البَشرية ومنها هؤلاء الغير مُستَحقِّين، الَّذين لم ينظر لاستحقاقهم لأنَّ حُبَّه لا يعرف شُروطاً ولا يعرف إلَّا أن يُعطي بل وطلب المغفرة لهم من الآب السماوي وهو في أصعب لحظاتِ حياتِه مُعلَّقاً على الصَّليب كما في الانجيل حسب لوقا 23: 34 فَقَالَ يَسُوعُ: «يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ».
أيضاً نلاحظ حُب الأغابي بوضوح فيما حدث بين المسيح وبطرس بعد القيامة (يوحنا 21) عندما جهَّز لهم الرَّب يسوع غداء السَّمك، قال لبطرس: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟» قال له: أحبك يا رب، ثم أعادها مرَّة أُخرى، «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟» نظر بطرس مستغرباً، لماذا يعيدها الرب للمرَّة الثَّانية؟! وأجابه: أُحبُّك يا رب، ثم أعادها للمرَّة الثَّالثة، قال له: أَتُحبُّني؟ فحزن بطرس لأنه سأله للمرة الثالثة، وهو الرَّبُ ويعرف كل شيءٍ، ويعرف أنَّه يُحبُّه.
لكن لماذا ليسأله ثلاثة مرات؟ ليس المعنى لأنه خانه ثلاثة مرات كما يُفسرها البعض، هنا نعود للترجمة اليونانية لنرى كيف سأله المسيح، وكيف ردَّ بطرس، قال المسيح لبطرس: يا سمعان بن يونَّا أغابي؟ “أغابي” تعني: أتحبني حتى الموت ودون انتظار مقابل؟ فردَّ سمعان بطرس وقال له: “فيلو”، وفيلو تعني أحبك، هو الحب المتبادل مثل حب المسيحيين للمسيح اليوم، ( أنا أُحبُّك لكن ليس لدرجة أن أترُك عملي من أجلك، أُحبُّك لكن ليس لدرجة أن أموت لأجل التَّبشير بالمسيح، نعم أُحِبُ المسيح ولكن ليس أكثر من أولادي، نعم أحبه بقدر ما يعطيني، دفعت له عشوري، لكنِّي أُطالبه بالبركات في نهاية الشهر، أُصلي وأصوم عند حاجتي وأعتب عليه إن لم يلبِّ أُمنياتي) ، هذا هو الفيلو، أُحبه ولكن بشكل مُحدَّد، حسب استفادتي منه، لا يمكن للمسيح أن يستخدم شخصاً لا يحبه دون مقابل، يجب أن أمتلئ بحب المسيح، إن أعطاني أم لم يعطني، شفاني أم لم يشفني، فأنا لا أريد منه إلا رضاه، أنا أحبه لأني أحبه، حينها تصل أن يأتمنك المسيح على رعيَّته ويقول لك كما قال لبطرس : «ٱرْعَ غَنَمِي».
لذلك كانت الوصية الثانية العُظمى للمسيح والَّتي تأتي مباشرةً بعد أن «تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ» وهي مثلها في الأهمية «أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ».

14 / شباط / 2021

أنواع الحب مع الأم ماغي خزام