اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ

الوصيَّة المخفيّة عمداً عند الطوائف الطقسية التقليدية المسيحية وسندرك اليوم لماذا أخفوها.
يقول الرَّب الإله في الوصيَّة، في سفر الخروج 20 (8 اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. 9 سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، 10 وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. لَا تَصْنَعْ عَمَلًا مَّا أَنْتَ وَٱبْنُكَ وَٱبْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ ٱلَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ. 11 لِأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلْأَرْضَ وَٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَٱسْتَرَاحَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ. لِذَلِكَ بَارَكَ ٱلرَّبُّ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَدَّسَهُ.) إنها وصيَّة واضحة وصريحة، تُقرّ بأن اليوم السابع – أي السبت – ينبغي أن يكون عندنا يومًا مقدّسًا للرب.
“سبت” – “سبث” – “شابات”، تعني “يوم الراحة” بالعبرية. فالرب الإله هو خالق كل شيء، ويَعرف تمامًا أننا كبشر نحتاج إلى يوم راحة ليستطيع جسدنا إكمال عمله بأفضل طريقة، كما يَعرف الإله أيّ يوم ينبغي أن نرتاح فيه.
يشبه الأمر جهازًا اشتريته، ولم تُرِد أن تلتزم بالورقة المرفقة التي تساعدك على معرفة آلية استخدامه؛ حُكمًا لن تستخدمه بأفضل طريقة صُمِّم لأجلها، إلا إن التزمت. هكذا الأمر في تنفيذ الوصايا؛ فهي دليل استخدام الحياة (كاتالوج).
فهل ترغب في أن تحيا على الأرض بعزّة وكرامة ونعيم؟
ها هي الوصايا مفاتيح للبركات على الأرض. فإن سرنا بموجبها، حفظ الربّ عهده معنا ونحيا معه.
أمّا إن خالفناها، فستتعثّر حياتنا على الأرض.
لماذا جعل الإله يوم راحة؟
يُخبرنا الكتاب المقدَّس أنَّ كلَّ مخلوق، سواء أكان إنسانًا أم بهيمةً، بل وحتى الأرض ذاتها، بحاجةٍ إلى يوم راحة. فالأرض تحتاج إلى سنة كاملة من الراحة، كي يتمكن الإنسان من الاستمرار في جني محصولها كما يجب، سفر اللاويين 25 (3 سِتَّ سِنِينَ تَزْرَعُ حَقْلَكَ، وَسِتَّ سِنِينَ تَقْضِبُ كَرْمَكَ وَتَجْمَعُ غَلَّتَهُمَا. 4 وَأَمَّا ٱلسَّنَةُ ٱلسَّابِعَةُ فَفِيهَا يَكُونُ لِلْأَرْضِ سَبْتُ عُطْلَةٍ، سَبْتًا لِلرَّبِّ. لَا تَزْرَعْ حَقْلَكَ وَلَا تَقْضِبْ كَرْمَكَ. 5 زِرِّيعَ حَصِيدِكَ لَا تَحْصُدْ، وَعِنَبَ كَرْمِكَ ٱلْمُحْوِلِ لَا تَقْطِفْ. سَنَةَ عُطْلَةٍ تَكُونُ لِلْأَرْضِ.) كذلك الأمر بالنسبة لجسدك، نفسك، عقلك، مشاعرك؛ تحتاج يوم راحة أسبوعيًا لتستمر في التقدّم بصحة وعطاء.
يَعلم ربُّنا ما تحتاجه مخلوقاته للاستمرار، لأنه هو خالقها وجابلها؛ ولذلك أعطانا يوم راحةٍ. بينما نحن البشر، بطبيعتنا، شعوبٌ مستهلكة، نلهث خلف عجلة أرهقتنا وأرهقت الأرض وطاقاتها.
لماذا يوم السبت هو تحديدًا يوم الراحة المقدس؟
سفر التكوين 2 (1 فَأُكْمِلَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلْأَرْضُ وَكُلُّ جُنْدِهَا. 2 وَفَرَغَ ٱلْإِلَهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ مِنْ عَمَلِهِ ٱلَّذِي عَمِلَ. فَٱسْتَرَاحَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ ٱلَّذِي عَمِلَ. 3 وَبَارَكَ ٱلْإِلَهُ ٱلْيَوْمَ ٱلسَّابِعَ وَقَدَّسَهُ، لِأَنَّهُ فِيهِ ٱسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ ٱلَّذِي عَمِلَ ٱلْإِلَهُ خَالِقًا.) البعض يُلقون الشبهات على هذه الآية، قائلين: “هل يتعب الرب كي يستريح؟” والجواب: بالطبع لا. لكنه “استراح من الخلق”، أي انتهى من الخلق.
منذ بدء التكوين، أرانا الرَّب الإله كيف يتعامل معنا كأبناء، حيث عاملنا كأب، فأعطانا مثالًا عن عمله لنسلك مثله فطالما أنَّ الإله ارتاح يوماً بعد ستة أيام فإذاً وجب علينا أن نرتاح يوماً.
ماذا تعني راحة الرّب الإله؟
نجد في الرسالة إلى العبرانيين 4، وعدًا صريحًا بالدخول إلى راحة الرب، الملكوت، كما يعلمنا الكتاب المقدس في الرسالة إلى العبرانيين أن هناك أناساً محرومين من دخول راحة الرب الإله حيث قال عنهم: (11 لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي (عبرانيين 3))
نرى الرب يسوع المسيح في العهد الجديد يهتم أيضاً لراحتنا في الإنجيل بحسب مرقس 6، إذ يخبرنا أنه بعدما أرسل تلاميذه إلى المدن والقرى وأعطاهم سلطانًا ليبشّروا ويعلّموا ويشفوا المرضى ويطردوا الشياطين، عادوا ليخبروه بما فعلوا، فقال لهم الرب يسوع (31 :تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلَاءٍ وَٱسْتَرِيحُوا قَلِيلًا.)
لماذا لا يمكننا اختيار أيّ يوم من أيام الأسبوع غير السبت لجعله مقدّساً للرب بدل السبت؟ لأن الرب حدّد بنفسه اليوم السابع وقال السبت، كما في سفر الخروج 20 (11 لِذَلِكَ بَارَكَ ٱلرَّبُّ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَدَّسَهُ.) فلا يحقّ لنا أن نغيّر على هوانا، كما جاء في سفر اللاويين 23 (3 وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتُ عُطْلَةٍ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ.)
هل السبت لليهود فقط؟ وهل هو شريعة العهد القديم وليس للعهد الجديد؟
يقول الرب في سفر الخروج 31 (16 لِيَصْنَعُوا ٱلسَّبْتَ فِي أَجْيَالِهِمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا.) أي أنّه عهدٌ أبديّ بين الرب الإله وبين بني البشر المؤمنين به. يقول الرَّب يسوع المسيح في إنجيل متَّى 5 الآية (17 »لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأَنْقُضَ ٱلنَّامُوسَ أَوِ ٱلْأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لِأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. 18 فَإِنِّي ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ ٱلسَّمَاءُ وَٱلْأَرْضُ لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ ٱلنَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ ٱلْكُلُّ.)
فلفظ “ابن إسرائيل” لا يعني ابن شخص معيَّن، وإلا لكان المقصودين بكل الوصايا هم فقط أبناء يعقوب، بل ابن اسرائيل في الكتاب المقدس تعني ابن الموعد، حيث أن الرب يسوع المسيح جاء من نسل اسرائيل ليجعلنا جميعًا أبناء إسرائيل، أي أبناء الموعد، كما في الإنجيل، الرسالة إلى غلاطيَّة 4 (28 وَأَمَّا نَحْنُ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ فَنَظِيرُ إِسْحَاقَ، أَوْلَادُ ٱلْمَوْعِدِ.) وفي الرسالة إلى رومية 9 (8 أَيْ لَيْسَ أَوْلَادُ ٱلْجَسَدِ هُمْ أَوْلَادَ ٱلْإِلَهِ، بَلْ أَوْلَادُ ٱلْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلًا.)
فوعود الرب الإله إذًا لكل الشعوب، وعندما يقول “بني إسرائيل”، يقصد كل من آمن وتبع الرب الإله، من العهد القديم حتى تجسده في شخص الرب يسوع المسيح في العهد الجديد.
إذاً السبت ليس علامة أبدية لبني إسرائيل فقط، بل أيضًا لنا نحن. سفر إشعياء 56 (5 »إِنِّي أُعْطِيهِمْ فِي بَيْتِي وَفِي أَسْوَارِي نُصُبًا وَٱسْمًا أَفْضَلَ مِنَ ٱلْبَنِينَ وَٱلْبَنَاتِ. أُعْطِيهِمْ ٱسْمًا أَبَدِيًّا لَا يَنْقَطِعُ. 6 كُلُّ ٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ ٱلسَّبْتَ لِئَلَّا يُنَجِّسُوهُ، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي، 7 آتِي بِهِمْ إِلَى جَبَلِ قُدْسِي، وَأُفَرِّحُهُمْ فِي بَيْتِ صَلَاتِي،) إذًا، السبت هو عهدٌ أبديّ بين الرب الإله وبين البشر الذين يحفظون عهده وشريعته، وهو أمين وعادل في أن يتمّم عهوده ووعوده لنا. فإنْ حفظنا وصاياه وتمسّكنا بوعوده، سيكون معنا، كما يقول في سفر إشعياء 56 (2 طُوبَى لِلْإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ هَذَا، وَلِٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَتَمَسَّكُ بِهِ، ٱلْحَافِظِ ٱلسَّبْتَ لِئَلَّا يُنَجِّسَهُ)
كما يخبرنا الكتاب المقدس في سفر حزقيال 22 عن عقوبة الكنيسة والكهنة الذين يخالفون تقديس يوم السَّبت (26 كَهَنَتُهَا خَالَفُوا شَرِيعَتِي وَنَجَّسُوا أَقْدَاسِي. لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ ٱلْمُقَدَّسِ وَٱلْمُحَلَّلِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا ٱلْفَرْقَ بَيْنَ ٱلنَّجِسِ وَٱلطَّاهِرِ، وَحَجَبُوا عُيُونَهُمْ عَنْ سُبُوتِي فَتَدَنَّسْتُ فِي وَسْطِهِمْ.)
فالكلام واضحٌ في الكتاب المقدَّس: قدِّس الرَّب فيقدِّسك! احفظ وصاياه فيحفظك! وإن نَجَّست العهود، فستتنجس حياتك.
يأتي السؤال الأهم الآن: ماذا حدث بعد ألفي عام، حتى توقَّف المسيحيُّون عن تقديس يوم السَّبت، وصار الأحد هو اليوم المقدَّس؟
لماذا كسر المسيحيُّون الوصيَّة الرَّابعة رغم وضوحها في الكتاب المقدس؟
هل أبطل المسيح السَّبت؟
الجواب: كلا، لم يُبطل المسيح السَّبت حيث أكد أنه رب السبت أيضاً أي ليس يهوه إله العهد القديم هو فقط رب السبت بل الإبن أيضاً هو رب السبت، هل توجد آية واحدة في الكتاب المقدَّس يقول فيها الرَّب يسوع إنه أبطل السَّبت؟ أو أنه أعفانا من تقديسه؟ الجواب بالطبع : لا.
إن كنَّا نؤمن أنَّ المسيح هو كلمة الإله، وأنه والإله واحد، فهل يُعقل أن يغيِّر الإله كلامه بين العهد القديم والعهد الجديد؟ أو أن ينقض وعوده وعهوده؟
الشواهد كثيرة في الإنجيل التي تدل على أن الرب يسوع وتلاميذه كانوا يمضون السبت مصلين في الهيكل، لا الأحد:
– مرقس 1: 21 ثُمَّ دَخَلُوا كَفْرَنَاحُومَ، وَلِلْوَقْتِ دَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ فِي ٱلسَّبْتِ وَصَارَ يُعَلِّمُ.
– مرقس 6: 2 وَلَمَّا كَانَ ٱلسَّبْتُ، ٱبْتَدَأَ يُعَلِّمُ فِي ٱلْمَجْمَعِ.
– لوقا 4: 16 وَجَاءَ إِلَى ٱلنَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ.
– لوقا 6: 6 وَفِي سَبْتٍ آخَرَ دَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ وَصَارَ يُعَلِّمُ.
– لوقا 4: 31 وَٱنْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ، مَدِينَةٍ مِنَ ٱلْجَلِيلِ، وَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي ٱلسُّبُوتِ.
نجد عشرات الآيات في الإنجيل، ما لا يسع عرضه في مقال واحد، تُظهر أنَّ الرَّب يسوع قد حفظ يوم السَّبت وقدَّسه، وعلَّمنا كيف نُقدِّسه، كما نجد التلاميذ والرسل في الكنيسة الأولى يقدّسون السبت.
– أعمال الرُّسل 13 (14 وَدَخَلُوا ٱلْمَجْمَعَ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَجَلَسُوا) حيث كان الرُّسل وتلاميذ الرَّب يعظون يوم السَّبت. ونرى أيضًا أنَّ الأمم طلبوا من بولس وبرنابا أن يُكملا الوعظ في السَّبت التالي (أعمال الرُّسل 13: 42 وَبَعْدَمَا خَرَجَ ٱلْيَهُودُ مِنَ ٱلْمَجْمَعِ جَعَلَ ٱلْأُمَمُ يَطْلُبُونَ إِلَيْهِمَا أَنْ يُكَلِّمَاهُمْ بِهَذَا ٱلْكَلَامِ فِي ٱلسَّبْتِ ٱلْقَادِمِ. 44 وَفِي ٱلسَّبْتِ ٱلتَّالِي ٱجْتَمَعَتْ كُلُّ ٱلْمَدِينَةِ تَقْرِيبًا لِتَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱلْإِلَهِ.) ( أعمال الرسل 16: 13 وَفِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ خَرَجْنَا إِلَى خَارِجِ ٱلْمَدِينَةِ عِنْدَ نَهْرٍ، حَيْثُ جَرَتِ ٱلْعَادَةُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةٌ.)
هذا ما جاء في كلام بولس وتيموثاوس. فإذاً، كان الرَّب يعلِّم يوم السَّبت، والتَّلاميذ كانوا يعظون ويصلُّون في يوم السَّبت.
لننتبه أيضًا أنَّ معظم معجزات الرَّب يسوع قد تعمَّد أن يصنعها في يوم السَّبت كما ورد في:
– الإنجيل حسب متَّى 12: 10 وَإِذَا إِنْسَانٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ، فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «هَلْ يَحِلُّ ٱلْإِبْرَاءُ فِي ٱلسُّبُوتِ؟».
– الإنجيل حسب مرقس 3: 5 وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «مُدَّ يَدَكَ». فَمَدَّهَا، فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَٱلْأُخْرَى.
– أيضاً شفى المرأة الَّتي كان فيها روح ضعف، وكان ظهرها منحنِيًا منذ ثماني عشرة سنة في الإنجيل حسب لوقا 13 (13 وَوَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ، فَفِي ٱلْحَالِ ٱسْتَقَامَتْ وَمَجَّدَتِ ٱلْإِلَهَ. 16 قَدْ رَبَطَهَا ٱلشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَلَّ مِنْ هَذَا ٱلرِّبَاطِ فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ؟«)
– أخرج الرُّوح النَّجس من الرَّجل الَّذي كان فيه شيطان في يوم السَّبت، كما في الانجيل حسب مرقس 1 (25 فَٱنْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلًا: «ٱخْرَسْ! وَٱخْرُجْ مِنْهُ«.!) وفي اليوم نفسه، يخبرنا الكتاب كيف شفى حماة سمعان وشفى كثيرين، مرقس 1 (29 وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ ٱلْمَجْمَعِ جَاءُوا لِلْوَقْتِ إِلَى بَيْتِ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ مَعَ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، 30 وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ مُضْطَجِعَةً مَحْمُومَةً، فَلِلْوَقْتِ أَخْبَرُوهُ عَنْهَا. 31 فَتَقَدَّمَ وَأَقَامَهَا مَاسِكًا بِيَدِهَا، فَتَرَكَتْهَا ٱلْحُمَّى حَالًا وَصَارَتْ تَخْدِمُهُمْ. 32 وَلَمَّا صَارَ ٱلْمَسَاءُ، إِذْ غَرَبَتِ ٱلشَّمْسُ، قَدَّمُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ ٱلسُّقَمَاءِ وَٱلْمَجَانِينَ. 33 وَكَانَتِ ٱلْمَدِينَةُ كُلُّهَا مُجْتَمِعَةً عَلَى ٱلْبَابِ. 34 فَشَفَى كَثِيرِينَ كَانُوا مَرْضَى بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَخْرَجَ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً، وَلَمْ يَدَعِ ٱلشَّيَاطِينَ يَتَكَلَّمُونَ لِأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ.)
لماذا صنع الرَّب كل هذه المعجزات في يوم السَّبت، وأصرَّ الكتاب المقدَّس، بوحي الرُّوح القدس، على ذكر أنَّها حدثت في هذا اليوم بالذات؟
لأنَّ الرَّب قد جاء ليُفهِم اليهود ويقول لهم: “يا غليظي الرِّقاب”، حيث إنهم فهموا الوصية بمعناها الحرفي، بأن لا يقوموا بأي عمل، ولا حتى فعل الخير، فعلمهم الرب يسوع كيف ينبغي تقديس يوم السبت كما طلبه الآب السماوي.
فاليهود تمسَّكوا بالوصيَّة على أنَّها فرضٌ/ قيد، أمَّا الرَّب يسوع المسيح فقد كسر الفروض، أي آلية اليهود الجامدة في تطبيق الوصية.
لم يكسر المسيح الوصية، لأنَّ وصايا الإله المكتوبة بإصبعه على اللوح الذي سلمه للنبي موسى، واحدةٌ لا تتغيَّر.
هذا الفهم الحرفي اليهودي للوصايا لا يزال مشكلة حتى اليوم؛ إذ نجد من بعض الناس يتحوَّلون إلى “سبتيّين”، يفهمون الوصايا بشكلٍ حرفيّ (وَٱلْحَرْفُ يَقْتُلُ)، ومن هنا نفهم قول الرَّب في مرقس 2 (27 ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «ٱلسَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لِأَجْلِ ٱلْإِنْسَانِ، لَا ٱلْإِنْسَانُ لِأَجْلِ ٱلسَّبْتِ.) حيث فهم اليهود تقديس هذا اليوم بشكل خاطئ فباتوا لا يتحرَّكون فيه، ولا يُخرجون حمارهم إن سقط، ولا يساعدون أحدًا يوم السَّبت! فجاء الرَّب يسوع ليُعلِّمهم كيفيَّة تقديس يوم السَّبت: بالشِّفاء، وعمل المعجزات، والصَّلاة، والوعظ، والتَّعليم، والتَّرنيم.
ومن هنا أيضًا نفهم قول الرَّسول بولس في الرِّسالة إلى كولوسِّي 2 ) 16 فَلَا يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلَالٍ أَوْ سَبْتٍ( أي: لا تكونوا عبيدًا لطقوس وفروض، بل نفّذوا الوصيَّة دون أن يحكم عليكم أحد بآليَّة تنفيذها.
ولكن، للأسف، رضي المسيحيون الإسميّون، غير القارئين للكتاب المقدس، أن تحكم عليهم طوائفهم من جهة الأعياد، وطريقة الأكل في الأصوام، وبقيَّة الأمور التي ليست بوصايا.
ولكنهم في ذات الوقت كسروا عمدًا وصيَّة تقديس السبت، بحجَّة أنهم لا يريدون أن يحكم عليهم أحد! نعم، هو الكيل بمكيالين.
ولكن يبقى السُّؤال مطروحًا: لماذا غيَّرت الكنائس، يوم السَّبت وجعلته الأحد، وكسروا الوصيَّة؟
يحتجُّ البعض بآيةٍ في أعمال الرُّسل 20 (7 وَفِي أَوَّلِ ٱلْأُسْبُوعِ إِذْ كَانَ ٱلتَّلَامِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِيَكْسِرُوا خُبْزًا،) ويقولون: وبما أنَّ الكتاب المقدس يذكر أن التَّلاميذ كانوا يجتمعون في أوَّل الأسبوع (أي يوم الأحد) ليكسروا الخبز، فقد صار يوم الأحد هو اليوم المقدَّس،
لكن، لو تابعنا قراءة النصوص في سفر الأعمال، لرأينا أنَّ التَّلاميذ كانوا يجتمعون كلَّ يوم، لا في أوَّل الأسبوع فقط، كما جاء في سفر أعمال الرُّسل 2 (46 وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي ٱلْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ ٱلْخُبْزَ فِي ٱلْبُيُوتِ) فهل هذا يعني وفق المفهوم الحرفي للطوائف، أن علينا أن نتناول كلَّ يوم؟ ومن قال إنَّ كسر الخبز يعني المناولة التي نقوم بها لتناول جسد ودم الرب؟
بل على العكس، فاجتماع التلاميذ يوم الأحد للأكل كإخوة يعني أنَّهم كانوا يقدِّسون السبت للصلوات والوعظ فقط، لا للاجتماعات والتعارف، وكانوا يؤجِّلون الأمور الاجتماعية للأحد وباقي الأيام.
آخرون أيضاً يقولون إنَّ الأحد هو اليوم المقدَّس لأنَّ الرَّب يسوع قام فيه من بين الأموات. ولكن، في هذه الحالة، أنتم بحاجة لإثبات قيامة المسيح يوم الأحد، ولو في آية واحدة صريحة تقول إنَّ الرَّب قام من بين الأموات في أوَّل الأسبوع، أو في يوم الأحد.
بل إنَّ النِّسوة ذهبن إلى القبر ووجدنه فارغاً في الصباح الباكر أوَّل الأسبوع، أي فجرًا، بين السَّاعة الثالثة والخامسة صباحًا بحسب توقيت اليهود. وهذا لا يعني أنَّ الرَّب قام يوم الأحد، بل يعني فقط أنَّه حين وصلن كان قد قام، أي إنَّ القبر كان قد فَرَغ مُسبقًا، ما يدلُّ على أنَّ القيامة حصلت ربما في اليوم السَّابق، أي يوم السَّبت.
ولهذا، عليكم أن تسألوا الكنائس الطقسية التي تؤمن أن المسيح قام يوم الأحد: لماذا إذاً يحتفل الأرثوذكس والكاثوليك بفيض النُّور في كنيسة القيامة يوم السَّبت، إن كانوا يظنون أنه قام يوم الأحد؟ ولن تجدوا منهم جواباً واحداً مقنعاً، لأن الحقيقة التي لا يودُّون أن تعرفوها هي أنَّ الكنيسة الشرقية أُجبرت من قبل الكنيسة الغربيَّة على جعل الأحد (Sun-day) الذي كان الرومان يتعبدون فيه لإله الشمس قديماً، ليصبح اليوم المقدس للمسيحية، بعد أن أعلنت روما اعتناقها للديانة المسيحية، ولكن للأسف مع الحفاظ على أوثانهم (تماثيلهم) ويوم الوثنيين المقدس، تم ذلك الإعلان عام 300م بيد قسطنطين الملك الوثني الروماني الذي مات دون أن يتعمَّد، و تلقبه الكنائس الطقسيَّة اليوم زوراً بـ “معادل الرسل”.
أدعوكم لمشاهدة حلقة (حقيقة الكنيسة الكاثوليكية؟ مع ماغي خزام) لمعرفة المزيد عن مرجعية العبادات الوثنية التي تمارسها الكنائس اليوم، حيث لم يقتصر الأمر على إجبار الكنائس من قبل روما، بل أيضاً تم حينها إجبار اليهود على اعتماد التقويم الغريغوري، لجعل اليهود أيضاً يخطئون في حساب يوم السبت، وصولاً إلى الدين الإسلامي، الذي جعل التقديس للجمعة، فبات السبت يوماً للعمل و التَّسالي، فيما يعرف في الوطن العربي.
روت لي امرأة أنها كانت تعاني من آلام في الظهر، وحين سألتها عن تقديس يوم السبت، اتضح أنها كانت تقوم بجميع الأعمال المنزليَّة في هذا اليوم، ظنَّاً منها أنها تجهِّز نفسها و بيتها لاستقبال يوم الأحد، فنصحتُها بعدم العمل، لا في البيت ولا خارجه، يوم السبت، وإنهاء المستلزمات قبل مساء الجمعة. وبالفعل، أخبرتني بعد أقل من شهر أنها شُفيت.
كيف نقدِّس السبت؟
اسمه يدلُّ على طريقة تقديسه، فالسبت هو سبت راحةٍ مقدَّس للرَّب، أي تبقى في البيت مع عائلتك، تصلُّون وترنِّمون وتؤدُّون خدمات للرب الإله.
هو يوم راحة من الأعمال والحياة الاجتماعيَّة المنهكة، يوم راحة للجسد والنَّفس والعقل من كلِّ أمرٍ مادِّي.
جرِّبوا أن تحفظوا يوم السبت كما يُرضي الإله، وستتفاجأون بأنَّه مفتاح من مفاتيح البركات كان مخفيًّا عنكم.
ولا تخافوا من إغلاق محالِّكم يوم السبت، فلن يسمح الإله بخسارتكم أو بنقص مواردكم، حيث يقول في سفر الخروج 16: 26 عن التعويض، حيث كان يُرسل خبز يومين لبني إسرائيل في اليوم الذي يسبق السبت ليعوِّضهم عن السابع.
في النهاية، أقول لكم قبل فوات الأوان: الويل لنا إنِ استوفى الرَّب سبوته كما يستوفي عشوره.
حيث إنك لو استعرضتَ مَن تعرفهم ممَّن أصابتهم في كِبرهم أمورٌ مؤلمة، كالشَّلل أو انعدام القدرة على العمل وغيره، تجدهم قد اضطرّوا أن يَسْبِتوا قسرًا، فلم يعودوا قادرين على القيام بأيّ عمل.
وإن تأمَّلتَ في ماضيهم، لوجدتَهم ممَّن لم يعرفوا للراحة طعمًا، وكانت كلُّ أيّامهم عملًا وسعيًا وراء المال.
فلنُحافظ على عهود الرَّب، ولنصُن سبوته، كي لا نُجبَر على الراحة قسرًا.
ليسامح الرَّب خطايانا، وجهلنا بالأمور التي نجهلها، وليعذرنا على قصور معرفتنا، وليُعِنَّا ويقوّينا لنحفظ وصاياه ونتمسَّك بها مدى الدهر.
يقول الرَّب في سفر حزقيال 20 (12 وَأَعْطَيْتُهُمْ أَيْضًا سُبُوتِي لِتَكُونَ عَلَامَةً بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لِيَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ مُقَدِّسُهُمْ). أنا أقول آمين.
فكم منّا اليوم سيتعهَّد أمام الرَّب أن يحفظ يوم السبت؟
3 / أيلول / 2020