من هو إلهك؟ هل تعبد الخالق؟
الوصيَّة الأولى سفر الخروج 20: (2 «أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ. 3 لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.)
الوصيَّة الأولى عبارةٌ عن ثلاثة أقسامٍ، سنقوم بشرح كُلٍ منها حيث تعتبر هذه الوصيَّة الميثاق الضَّامن لباقي الوصايا والعهود، فلو نفَّذنا التِّسع وصايا الأُخرى (لا تزنِ، لا تقتل، لا تسرق وإلخ..) من دون الوصيَّة الأولى – وهي أن تعبد الرَّبّ الإله الحقّ- فلا يعود لباقي الوصايا أيَّ مفعولٍ، بل وتفقد جوهرها.
وهذا ما يفسِّر بأنَّ هناك من يقول فلانٌ قد مات ميتةً مؤلمة جدَّاً، ما السَّبب؟ فهو لم يسرق ولم يزنِ، فما السَّبب إذاً؟
الجواب هنا: هل كان يعبد الرَّبّ الإله الحقّ؟ بالتَّأكيد وحكماً، لا. لِمَ لا تسأل الإله الَّذي كان يعبُده لماذا قد أهلكه بهذه الطَّريقة أمام النَّاس؟
عادةً في أوراق العقود، يوضع في بداية العقد أنَّ “مُقدِّمةُ هذا العقد جزءٌ لا يتجزَّأ منه” ونجد أيضاً “مُقَدِّمُهُ فلانٌ الفلاني”، بالطَّريقة عينها تنازل الرَّبّ الإله إلى طبيعتنا وفهمنا وكأنَّه يبدأُ عَقدَ شراكةٍ معنا ليقول لنا: ” أنا الموقِّع، أنا ناقشُ الوصايا بإصبعي، أنا واضع البنود والميثاق معكم، أنا الرَّبُّ إلهك”، وهكذا ابتدأت الوصايا.
لم يستعمل الرَّبّ الإله في الكتاب المقدَّس آية “أنا الرَّبُّ إلهك” لكي يخيفك، لم يستعملها حتَّى يقول “أنا مُهلكك”، ” لاعنك”.. إلخ، بل وردت كتعبيرٍ عن الأُبوَّة المُطلَقة، وكأنَّه يقول ” أنا أبوك السَّماويُّ” ” أنا معطيك الحياة ” ” أنا مُبارِكُك ” أيضاً في سفر إشعياء 41 ( 13 لِأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ ٱلْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ، ٱلْقَائِلُ لَكَ: لَا تَخَفْ. أَنَا أُعِينُكَ.) سفر اللّاويين 11 (44 إِنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ فَتَتَقَدَّسُونَ وَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ، لِأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ.) أيضاً نرى البركة عن الأرض، في سفر اللَّاويين 19 ( 25 وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ تَأْكُلُونَ ثَمَرَهَا، لِتَزِيدَ لَكُمْ غَلَّتَهَا. أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ.)
نأتي إلى القسم الثاني من الآية حين قال في سفر الخروج 20 (2 ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ.) كل البشر على الأرض على اختلاف عباداتهم حتى الوثنيون منهم يظنون أنهم يعبدون خالق السموات والأرض ولكن هم بالحقيقة مُضلَّلون وراء آلهة أخرى غيره وهذا أعظم فَخٍّ نصبه الشيطان على الأرض أن يجعلك تؤمن وتعبد وتتبع شريعةً لغير الإله الحقيقي، فهل البقر الذي يعبده الملايين في الهند هو الخالق؟ هل الله مرسل محمد بشريعته الصحراوية هو الخالق؟ هل الأوثان التي يعبدها الوثنيون هي الخالق؟
أعطانا الإله وصفاً له، لنميزه نحن وبني اسرائيل الذين حررهم من مصر في عهد فرعون، الرَّبُّ الإله هو المُحرِّر والمُخلِّص، هو مُطلِقَك من عبوديَّتَكَ، هو المُنَجِّي، تماماً مثلما أَخرَج بني إسرائيل من مِصر من تحت قبضة فرعَون، لقد أخرجهم ليكون لهُم حريَّةً وليس لاستعبادهم.
إذاً كُلَّ شخصٍّ مِنَّا هو تماماً كَبَنِي إسرائيل، له لحظة عُبور مع الرَّبّ، له لحظةَ تحريرَ قيودٍ مع الرَّبّ ولحظة خروجٍ من عبوديَّةٍ مع الرَّبّ، وجميعنا عابرون عن معتقداتٍ قديمةٍ ورثناها عن أهلنا، وعن أديانٍ باطلةٍ استلمناها منهم، وعن تماثيل أُعطيَت لنا وسجدنا لها دون فهم، وعن أديانٍ فَرَضَتْ علينا طُقوساً وفروضاً مُعيَّنة، لذلك كُلَّنا عابِرُون، فهل يوجد إلهٌ وعد عبيده بالحرية كما أعطانا إلهنا؟ قطعاً لا، فكل الآلهة الأخرى استَعبَدَت أتباعها و قيَّدتهم بنير طقوسٍ وفُروض.
انظر إلى القيود الَّتي فرضها معبودك عليك، هل تعيش في حريَّةٍ أم أنَّك مُقيَّدٌ؟ هل تعيش بُنوَّةً أم عُبوديَّة؟ تُخبرنا رسالة كورنثوس الثَّانية 3 (17 وَحَيْثُ رُوحُ ٱلرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ.)
لكي نميز أي إله نحن نعبد علينا أن نرى كيف كان الرُسل والأنبياء في الماضي يُميِّزون صوت الرَّبِّ الإله، وكيف كانوا يَعلَمُون أنَّ هذا الإله هو الإله الحقّ ويتبعوه. الإجابة: من الوصايا والطَّلبات والتَّعاملات الَّتي تعامل بها معهم. نلاحظ في قصَّة موسى مع فرعون، كم من المرَّات الَّتي قال فيها موسى ” أطلق شعبي ليعبدوني”، إنَّ هذه الجُّملة قد قالها موسى عن لسان الرَّبِّ “يقول لك الرَّبُّ الإله: أطلق شعبي ليعبدوني”، ” يقول لك الرَّبّ الإله: أطلق ابني ليعبدني”. نلاحظ أنَّ الرَّبَّ الإله لا يقبل أن تكون تحت حكمِ فرعون وتعبد الرَّبَّ في الوقت ذاته، لا يُمكننا أن نخدم سيِّدين، بل يجب أن نختار واحداً منهما، فلا يقبل الرَّبُّ شراكةً بالعبوديَّة بين اثنين.
يوسف أيضاً، من السِّجن إلى قمَّة الحُريَّة، ليس فقط إلى الحريَّة، بل كانت كلمته الثَّانية بعد كلمة فرعون على أرض مصر وعلى كل الأراضي المحيطة بها. شاول أيضاً كان عبداً لفرِّيسيَّته وعبداً لتنفيذ الشَّريعة بالحرف، ولكن أتى الرَّبُّ وأعطاه أن يكون “بولس” ومنحه التَّحرير من عبوديَّة الشَّريعة له ونِيرِ قَيدِ الحَرفِ عليه. ذكر الرَّبُّ عشرات المرَّات في الكتاب المقدَّس ” وأَرُدُّ سَبيَكم” سفر إرميا 29 (14 وَأَرُدُّ سَبْيَكُمْ وَأَجْمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ ٱلْأُمَمِ) سفر إرميا 33 (26 لِأَنِّي أَرُدُّ سَبْيَهُمْ وَأَرْحَمُهُمْ».) سفر عاموس 9 (14 وَأَرُدُّ سَبْيَ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ) نلاحظ أنَّ الرَّبَّ الإله الحق هو من يُحرِّرُك ويُعطيك، هو المُحرِّر، وهذه هي الصَّفة الَّتي أعطانا إيَّاها “أنا مُخلِّصُك ومُحَرِّرُك من بيت العبوديَّة”. يقول القدِّيس بولُس في رسالته إِلَى غلاطيَّة 4 (3 هَكَذَا نَحْنُ أَيْضًا: لَمَّا كُنَّا قَاصِرِينَ، كُنَّا مُسْتَعْبَدِينَ تَحْتَ أَرْكَانِ ٱلْعَالَمِ. 4 وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ ٱلزَّمَانِ، أَرْسَلَ ٱلْإِلَهُ ٱبْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ ٱمْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، 5 لِيَفْتَدِيَ ٱلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِنَنَالَ ٱلتَّبَنِّيَ.)
فكان الانعتاقُ الأكبر والحريَّة الكُبرى الَّتي أظهر فيها الرَّبُّ الإله أنَّه المُحرِّر والمُخَلِّص والضَّامِن للحُريَّة هي بتجسُّد الرَّبّ يسوع المسيح، كما في رسالة كورنثوس الأولى 7 (22 لِأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي ٱلرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ، فَهُوَ عَتِيقُ ٱلرَّبِّ.) إذاً الرَّبُّ الإله هو إله تحريرٍ، هو الإلهُ الآب، بهذه الطَّريقة عَرَّفَنا عن نفسه.
فَكِّرْ! إذا كان الرَّبُّ يكره الاستعباد، وذَكَرَ في عدَّة أماكن في الكتاب المقدَّس ” أنا مُحرِّرك وأنا الَّذي أردُّ سبيك”، فلماذا يَسبينا؟ ولماذا يضع علينا قيوداً ويستعبدنا؟ أمّا عن رضوخك للفُروض والطُّقوس والقُيود ليرضى عنك إلهك، فأنت إذاً لا تعبد الرَّبِّ الإله الحقيقيِّ، أنت للأسف تعبد ضدَّ الإله. يقول الرَّبُّ يسوع في يوحنا 15 (15 لَا أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا، لِأَنَّ ٱلْعَبْدَ لَا يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، لَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لِأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي.) فلماذا تَحيا كعبدٍ على الأرض ولديك خِيارُ البُنوَّة؟ لماذا تقبل بقيود الشَّيطان عليك وعلى حياتِك وأمامك خيار الحُريَّة؟ لقد فَكَّ المسيح عنكَ قيودَك، فلا تقبل لأيِّ دينٍ أو طائفةٍ ولا لأيِّ أحدٍ أن يُقيِّدَك من جديد.
نأتي الآن إلى الجزء الثالث من الوصية (لا يكُن لك آلهةٌ أُخرى أمامي).
هناك من يسخَر ويقول: “ما هو عدد الآلهة على الأرض، و كم خالقاً يوجد؟” الجواب : الإله الخالق الآب الضَّابِط كُلَّ شيءٍ هو واحدٌ، ولكن ليس بالضَّرورة أن يكون هو ذات الإله الَّذي تَعبُده! فمنذُ وقت آدم إلى يومنا هذا فَضَّل البشر الفروض والطَّقوس والطَّواف والسُّجود حول آلهةٍ غريبةٍ، تاركين الرَّبّ الإله الحقيقيَّ خلفهم، فبمجرَّد أن تأخَّر موسى عن شعب إسرائيل على الجبل قليلاً أثناء إحضاره للوصايا المنقوشة على لوحي الشَّريعة، عاد فوجَدَهم قد قاموا بصُنعِ ثورٍ من حُلِيِّهم وذَهَبهم وقاموا بعبادته. ولو استعرضنا عبادات البشر اليوم نجد منهم الَّذين يعبدون ذواتَهُم، والذين يعبدون المال، ويوجد فئة يقول الكتاب عنهم في فيلبي 3: 19 ( الههم بطنهم )، أيضاً عبيد الصُّور والتَّماثيل والحجر والقبور ، عبيد القديسين و الأولياء، وصولاً إلى عبيد إدمانهم و شهواتهم، وصولاً إلى عبادات متوجهة لآلهة أخرى ك بوذا، آلهة الهندوس، الله مرسل محمد، الشيطان، العلم .. إلخ
الإله الخالق الحقيقي هو محرّرك من خطاياك، ومن معتقدات أهلك الباطلة، ومن الفروض والطُّقوس الَّتي فرضها عليك دينُك والَّتي عِشتَ فيها طوال حياتك وكنت فيها مجرَّدَ عبدٍ، محرَّرك من فروضٍ بالية قد استهلكتك دون جدوى، حرَّرك من لعناتٍ ورَثتَها عن أهلك في ماضيك، وحرَّرك من خطايا الماضي.
ان كنت اليوم غير مسيحي حقيقي، اطلب اليوم الإله الآب خالق السماء والأرض وقل له : “حرِّرني يا رب، لقد استعبدني إلهٌ آخر دون أن أعلم، فحرِّرني وأعدني إليك لأعرفك أكثر”
غلاطيَّة 5 (1 فَٱثْبُتُوا إِذًا فِي ٱلْحُرِّيَّةِ ٱلَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا ٱلْمَسِيحُ بِهَا، وَلَا تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ.)
في الختام، (وَتَعْرِفُونَ ٱلْحَقَّ، وَٱلْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ).
9 / آب / 2020