الأم ماغي خزام

أول إعلام إنساني شرق أوسطي في أمريكا و العالم

...

إنجيل برنابا أم قرآن برنابا؟!

إنجيل-برنابا-والقرآن

اعتاد المتواجدون في الشرق الأوسط من مسلمين أن يسلّموا بأي أمر ينصر دينهم ويكّفروا كل ما يخالفهم حتى لو كان على حق.
معظم المسلمين ممن آمنوا وصادقوا على صحة إنجيل برنابا لم يقرؤوه، وتبنّوا ما يقوله بشكل أعمى، فقط لأنهم سمعوا أنه اعترف بمحمد.
فماذا يحوي إنجيل برنابا ومن كاتبه ومن هو برنابا ؟ وإن كان يعترف بمحمد فلماذا سحبه أئمة المسلمين من الأسواق وباتوا يطلبون من المسلمين عدم قراءته؟
بدايةً إن كنت تظن أن كاتب هذا الكتاب هو برنابا وهو نفسه خال القديس مرقس الذي اعتنق الإيمان المسيحي بعد قيامة المسيح، فأنت مخطئ.

مؤلف إنجيل برنابا:
عُرِف كتاب برنابا في الأسواق العالمية قبل العربية منذ سنة 1709، أي ظهر بعد قيامة المسيح بحوالي 1700 سنة، كاتبه مسلم اسمه مصطفى العرندي، نسبة إلى عرندا في إسبانيا، ومصطفى هذا ترجمه من اللغة الإيطالية الى الإسبانية، فلو كان إنجيلاً معتمداً منذ عصر الرسل أو حتى رسل الرسل لكنا وجدناه مكتوباً بالعبرية، اليونانية أو الآرامية.
في سنة 1575 قبل حوالي 200 سنة من ظهور مصطفى، وبحسب ما روى كتاب برنابا المزعوم عن طريقة ايجاده: أنه كان هناك راهب إيطالي اسمه مارينو، تشاجر هذا الراهب مع بابا الفاتيكان سيكتوس الخامس بعدما ذهب لزيارته، حيث أن البابا نعس ونام بمحضر مارينو، فأراد الراهب أن يملأ وقته إلى حين يصحو البابا، فقام يفتش بين كتب البابا، وفجأة وقعت عينه على إنجيل برنابا، فقام بسرقته وخبأه في ثوبه، وأخذه وذهب به راكضاً ليصبح السر الأزليّ المخفيّ.
هذه الرواية بحبكتها الكوميدية تستوجب طرح تساؤلات بديهية:
هل بابا الفاتيكان يستقبل الناس في غرفة نومه؟
إنه بابا الفاتيكان الذي يحيط به عدد من الحرّاس، فكيف يمكن أن ينعس وقت زيارة أيّ كان؟ وهل سيترك الحرس ذاك الراهب يعبث بأغراض البابا ويسرق ويركض هارباً؟
وحسبما ذكر هذا الراهب بنفسه أنه ترك المسيحية ليغيظ البابا واعتنق الإسلام و قيل أن البابا عاقب الراهب بحرمانه الرهبنة بسبب تحرشه بالراهبات، وهي الرواية الأقرب للحقيقة، فالراهب بعدما افتضح أمره وطُرِد من الرهبنة ذهب للإسلام وأرضاهم، أو طلبوا منه تأليف ما أسموه بإنجيل برنابا علّه يكتب عن محمد بعد أن عجز علماء الدين الإسلامي عن إيجاد ذكر له أو نبوءة عنه في التوراة والإنجيل.

لماذا لا يعترف المسيحيون بإنجيل برنابا ؟
إن أخطاء الكتاب وعيوبه من أمور مضحكة ومنها المعيبة بالمئات، وسأذكر بعضها :
1-‏ ككل أعمال الضلال التي يقوم بها أتباع الشيطان حيث يأخذون اسماً في الكتاب المقدس غير مذكور بكثرة لينسجوا عنه حكايات وهمية تساعدهم على الطعن بكلمة الرب الإله في الكتاب المقدس، هنا أيضاً استخدموا اسم برنابا الوارد في الكتاب، وحولوه لشخصية استخدموها لخدمة القرآن، إذ لا يوجد إنجيل ولا رسالة ولا أي إشارة في الكتاب لعمل عظيم قد قام به برنابا، بل الحقيقة ببساطة أن راهباً كاثوليكياً شاذاً محروماً من الخدمة اعتنق الإسلام، فأراد إهانة اسم المسيح بأن ينصر أعداء الكتاب، فاعتنق الإسلام وكتب إنجيل برنابا هذا بالإيطالية، ثم أخذه مسلم يُدعى مصطفى وترجمه للإسبانية، وتلاه دور طباعة إسلامية تولت ترجمته ونشره بالعربية، فهو عمل إسلامي من ألفه إلى يائِه، ولذلك أطلقتُ عليه (قرآن برنابا).
2- تلاميذ الرب يسوع المسيح الاثني عشر معروفون بالاسم، وبرنابا ليس واحداً منهم، هو خال القديس مرقس، وكان اسمه يوسف، وبعد قيامة الرب يسوع المسيح بعشر إلى اثني عشر عاماً اعتنق المسيحية، وأصبح من المبشرين، وصار يعظ في بلده في قبرص.
ومن الأمور الهامة التي اشتهر بها القديس برنابا أنه أول من باع حقله وأرضه ووضع المال تحت أقدام التلاميذ ليصرفوه على التبشير بالرب يسوع المسيح، ويُقال أنه ما تزال في قبرص كنيسة تحمل اسم القديس برنابا تخليداً لذكرى استشهاده على اسم الرب يسوع المسيح.
فإذا نظرنا بتجرد لحياة القديس برنابا، هل يعقل أن إنساناً باع أملاكه من أجل اسم يسوع واستشهد على اسم يسوع المسيح أن يكون مؤمناً بمحمد الذي لم يكن حينها قد أتى بعد؟!
3- يقول كاتب هذا الكتاب أيضاً أن يسوع المسيح لعن كل من يقول له ابن الله، وهذا يناقض ما كتبه المبشرون الأربعة في الإنجيل تماماً، ولذلك أيضاً أسميتُه “قرآن برنابا”، فالمسيح لم يلعن أحداً، بل هو من علمنا قائلاً: باركوا ولا تلعنوا، ومفهوم اللعنة وكره الآخر غير موجود بشخصية يسوع المسيح أساساً.
4- في الصفحة رقم 128 من قرآن برنابا يقول: إن الله خلق العالم من أجل نبي الإسلام.
بالصفحة 61 يقول: إن الله خلق محمد قبل المسيح حيث أن آدم رأى في الهواء كتابة “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”، وكتب الله على ظفر آدم اليمين “لا إله إلا الله”، وعلى ظفر آدم اليسار “محمد رسول الله”.. حيث جعلوا الله ماسكاً بيده طلاء أظافر يلون به على ظفر آدم.
5- الصفحة 320 – 322 يدّعي أن اليهود أخذوا يهوذا بدل المسيح لأنه كان يشبهه، إذ أوقع المسيح شبهه على يهوذا، حيث ادّعوا أن المسيح كان يستخدم السحر والشعوذة، و أن يهوذا بدأ يصرخ بأن المجرم “أي يسوع” قد نجا وأما أنا فأموت ظلماً، ورغم كل هذا الصراخ لم يسمعه أحد لأنه كان مسحوراً وصورته مقلوبة، هذه القصص الوثنية القديمة القائمة على السحر، وكيف يتحول شخص إلى شخص آخر مسحور تثير ضحك أطفالنا قبل راشدينا فهل من عاقل يصدقها؟!

الأخطاء العلمية الكارثية فيما يُسمى ب إنجيل برنابا :
1- في الفصل 25 العدد 26 يقول (أن الله لما خلق كتلةً من التراب، تركها خمسةً وعشرون ألف سنة دون أن يفعل شيئاً، ولما علم الشيطان بأن الله سيأخذ من تلك الكتلة مئةً وأربع وأربعون ألفاً موسومين بسمة النبوة، بصق الشيطان على كتلة التراب، فرفع جبريل البصاقة مع شيء من التراب، فبقي مكان البصاقة فتسببت بوجود سرّةٌ في بطن بني البشر ).
2- هل سألت نفسك يوماً لم يؤمن معظم المسلمين بوجود تفاحة عالقة في حلق الرجال ويبحثون عنها في الجهة الأمامية من رقبة كل رجل، هذه أيضاً إحدى الأخطاء العلمية في إنجيل برنابا الذي تأثر به المسلمون وأخذوا من خرافاته، بالفصل 40 العدد 24 – 28 يقول: عندما أكل آدم عضة من التفاحة التي أعطته إياها حواء بعدما أغراهما الشيطان، صارت اللقمة ناراً وتذكر كلام الله، فعلِقَت التفاحة بحلقه، لذلك آدم عنده هذه الحنجرة الظاهرة.
هذه أيضاً من الخرافات التي يعتبرها الكثير من المسلمين مسلماتٍ علمية.
3- الفصل 27 العدد 5 –7 يتحدث كاتب الكتاب عن مسخ الناس حيوانات، يقول: (ألا تعلمون بأن الله في زمن موسى مسخ أُناساً كثيرين في مصر حيوانات مخوفة).
تحويل الإنسان إلى حيوان يعدّ أيضاً من الخرافات والأساطير الوثنية التي جرى تداولها عند الأديان التي تؤمن بالتقمص وتكرار ولادة الروح في جسد آخر ، وهي بعيدة كل البعد عن الإيمان المسيحي، وغير علمية.
4- الفصل 145 العدد 43 يقول: (يكفي كل إنسان كل ليلة ساعتي نوم)، فوضع المقدار الطبيعي لراحة الإنسان ساعتي نوم، وهذا يخالف العلم والمنطق.
5- الفصل 57 العدد 14: (القمل يتحول إلى لؤلؤ) فكان يتحدث عن الزهد والتنسّك، والواضح أن الراهب عندما صار مسلماً زَهِدَ وتَصَوّف ولم يستحمّ، فيبدو أنه أصيب بالقمل، فأراد أن يجد طريقةً لإخفاء القمل والرائحة التي صارت تفوح منه، فقال: (الحق أقول لكم إن قميص الشعر سيشرق كالشمس، وكل قملة كانت على إنسان حبّاً في الله ستتحول إلى لؤلؤة، لو علم العالم هذا لفضل قميص الشعر على الأرجوان والقمل على الذهب)، يبدو أن كاتب قرآن برنابا مصاب بمرض نفسي منعه من الاستحمام حتى بات قميصه عفناً وأكل رأسه القمل فاعتبر مرضه زهداً.
6- يقول ( إن سليمان أعدّ وليمة لكي يطعم منها خلائق الله على وجه الأرض، فجاءت سمكة من هذه الخلائق وأكلت كلّ الوليمة).
المصيبة الحقيقية ليست في هذا الكتاب المضحك بل بمن صدقه من المسلمين وقال آمين.
7- من الأمور المضحكة أيضاً في قرآن برنابا أن الجمل لا يحبّ أن يشرب من المياه العكرة حتى لا يرَ قباحته.
8- مكتوب أيضاً في كتاب الخرافات هذا (أن الناس الذين يؤمنون ولا يعملون – هؤلاء يكون حكمهم أن يبقوا سبعين ألف سنة في المطهر يُشْوَوْن لحين تأتيهم الشفاعة ويخرجوا)، وهنا يظهر حقيقة كاتب الكتاب وهو الراهب الكاثوليكي الذي أدخل أفكار الكاثوليكية كالمطهر في كتابه، وهذه الأفكار الوثنية لم تكن في زمن قديسي الكنيسة الأولى.
حاول الكهنة ورجال الإيمان ثني المسلمين عن تداول هذا الكتاب لما يحتويه من هراء وتخاريف قائلين لشيوخ المسلمين: كيف تقبلون أصلاً أن يُذكر اسم رسولكم مع كل هذا الهراء، لكن كعادة المسلمين في نشر دعوتهم لا يكترثون بالوسيلة مهما بلغت دناءتها بقدر ما يهتمون بالغاية، وطالما أن إنجيل برنابا يطعن بالكتاب المقدس ويشوّه صورة الرب يسوع المسيح فهم قرروا جعله الكتاب رقم واحد مبيعاً في العالم العربي.
وفجأة أفاق المسلمون من غيبوبة برنابا وطالبوا بسحبه من الأسواق وأصدروا بياناً بأن هذا الكتاب مزوّر وكتاب غير سماوي.
والسؤال هو لماذا أخفاه الشيوخ رغم أنه ينصر دينهم؟

أسباب منع إنجيل برنابا في الأسواق الإسلامية:
1- اعتبر إنجيل برنابا أن يسوع جاء يبشر الناس بالمسيّا أي (محمد)، فالفكرة أن المسيح عندما قال أبشّر بنبي من بعدي اسمه أحمد سيكون هو المسيّا (المسيّا أو المسيح)، وهنا لم يطعن فقط بالإنجيل، بل وطعن بالقرآن أيضاً، فكيف يكون محمد هو المسيح، فيقول في الكتاب أن يسوع قال أنا عبد الله وأرغب بخدمة رسول الله الذي تسمونه المسيّا!
وطبعاً كما تعلمون أنه في عصر يسوع المسيح لم يكن محمد قد خُلِق بعد، فهو خُلِق بعده بأكثر من 500 سنة وفق الروايات الإسلامية.
2- لا يعترف هذا الكتاب لا بالتوراة ولا بالإنجيل ولا بالزبور، وادّعى كاتب الكتاب (مصطفى العرندي)، نقلاً عن الراهب مارينو أن الله لم يستطع الحفاظ على التوراة في وقت موسى، فأرسل داود ولم يستطع أيضاً الحفاظ على كتاب داود، فأرسل المسيح ولم يستطع الحفاظ على الإنجيل، وهم بذلك جعلوا الله ضعيفاً عاجزاً عن الحفاظ على كلمته على مرّ العصور، إلا في طبعته الأخيرة وهذا أيضاً يخالف سورة المائدة في القرآن 46 (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)
3- أهم ما جعل شيوخ المسلمين يودون لو أن هذا الكتاب لم يكن موجوداً هو طعنه بالعقيدة الإسلامية، بالفصل 140 العدد 1 عن المسيح يقول: (صدقوني أيها القوم أني جئت إلى العالم بامتياز لم يعطَ إلى بشر، حتّى أنه لم يُعطَ لرسول الله)، وهنا نجد الكاتب يناقض نفسه حيث قال أن المسيح جاء ليخدم محمد الذي هو المسيّا، وفجأة يقول أن المسيح أُعطيَ امتيازات لم تعطَ لبشر ولا حتى لرسول الله، وهنا جعل المسيح أعظم من محمد.

من قام بسحب الكتاب من الأسواق؟
أصدرت دائرة المعارف العربية المعروفة باسم الموسوعة العربية الميّسرة في الباب الثالث، شهادة العلماء المسلمين على بطلان إنجيل برنابا سنة (1965)، تحت إشراف العلامة الإسلامي محمد شفيق غربال بالاشتراك مع الشيخ محمد أبو زهرة، الدكتور إبراهيم مدكور، دكتور زكي نجيب محفوظ، والدكتور محمد مصطفى حلمي، الدكتورة سهير القلماوي، والدكتور حسن الساعاتي، وقالوا في الصفحة (354) من الموسوعة العربية:
أولاً- إنجيل برنابا هو كتاب مزيّف وضعه أوروبي في القرن 15.
فاعترفوا بأنه عمل ظهر بعد ظهور الإسلام.
ثانياً- لم يتمكن المسلمين طيلة 300 سنة وحتى اليوم من الحصول على مخطوطة واحدة تثبت إنجيل برنابا.
ثالثاً- أخطاؤه التاريخية العظيمة حيث جعل بيلاطس البنطي والياً على اليهودية وقت ولادة المسيح، بينما بيلاطس وهو حاكم روماني كان في زمن صلب المسيح و تولى حكمه عام 26 م، أيضاً ذكر أن اليوبيل اليهودي هو 100 سنة، بينما اليوبيل اليهودي كان 50 سنة وبقي إلى فترة 300 /400 سنة من العصور الوسطى حين تحول إلى 100 سنة، وهذا أيضاً يدلنا على زمن كتابة هذا الكتاب في العصور الوسطى.
رابعاً- اكتشفوا وجود أخطاء جغرافية عظيمة حين قال الكاتب أن الناصرة وأورشليم هما ميناءان يطلان على البحر، فهذا يدل أن الكاتب لم يعش في أورشليم ولم يزرها حتى ولا مرة في حياته، فكيف يدّعي أنه القديس برنابا.
أيضاً من أخطائه الواضحة أن المسيح صام في جبل سيناء بمصر، بينما المسيح صام في أورشليم ولم يزر مصر في شبابه أبداً.
أيضاً وجد مدققوا انجيل برنابا ألفاظاً حديثة مثل البراميل، محاجر الرخام، استخدام الرطل كوحدة للقياس، ومبارزات بالفروسية تتم بين العشاق، وهذه الأمور لم توجد يوماً في فلسطين، هذه الأشياء أثبتت أن كاتب كتاب برنابا أوروبي لم يزر الأراضي المقدسة يوماً وأن الكتاب أُنجِز في العصور الوسطى في القرن 15.
فالقديس برنابا الحقيقي المذكور اسمه في الكتاب المقدس الذي استشهد من أجل اسم المسيح قبل ألفي سنة، ودفنه القديس مرقس عام 61 م، بريء كل البراءة من هذا الكتاب.
يبدو أن المترجم مصطفى العرندي تلقف الكتاب وترجمه دون تنقيحه ساعياً إلى كسب المسيحيين وتشكيكهم بعقيدتهم، لكن كاتبيّ وناشريّ هذا الكتاب وقعوا في شرّ أفعالهم، فمن قرأوا وصدقوا وآمنوا بهذه الخرافات هم المسلمون، في حين أن المسيحيين لم يقرؤوه ولم يكترثوا له، ما عدا المهتمين بالبحث والتدقيق من رجال الإيمان.

22 / حزيران / 2019

إنجيل برنابا أم قرآن برنابا – مع ماغي خزام