الأم ماغي خزام

أول إعلام إنساني شرق أوسطي في أمريكا و العالم

...
Maggie Khozam Articles
ماغي خزام

تجلّى أي ظهر بيّناً، أظهر ذاته وبات جليّاً

the-transfiguration-article-ar-التجلي

تجلّي الرب يسوع أمام ثلاثة من تلاميذه على الجبل بوجود موسى وإيليا هو حدث لم ولن يتكرر في تاريخ البشرية كلها، فلن يكون هناك إنسان على الأرض قادر على تغيير هيئته ليصير إلهاً أمام أعين الناس، ويرونه بالعين المجردّة بشكل محسوس وملموس، لا في حلم ولا في رؤية، إنه فقط الرب يسوع وحده القادر على ذلك، و لا يزال قادراً على إظهار ذاته جلياً لأحبائه متى يشاء و لمن يختار منهم.
بات للتجلي عيد بعد خمسمائة عام من قيامة الرب يسوع، حيث حددته الكنيسة الكاثوليكية، ومن ثم تبعتها الكنيسة الأرثوذكسية، ونجد اليوم هذه الطوائف تحتفل بعيد التجلي في أيام مختلفة، فالروم الأرثوذكس والكاثوليك يحتفلون في السادس من آب، بينما الأقباط في التاسع عشر من آب، و إذا سألتهم عن سبب هذا الفرق يجيبون بأنه ينبغي أن يكون قبل أربعين يوماً من الصلب، لكن ما علاقة الصلب بآب أو أيلول، يقولون أن عيد رفع الصليب في أيلول، وما علاقة عيد رفع الصليب بأيلول إذا كان صلب الرب قد تم في عيد الفصح أي في شهر نيسان تقريباً، لا يعرفون ، لذلك لا يجب أن نهتم بالأعياد والطقوس بل نهتم بمغزى وجوهر حدث التجلي .
وردت حادثة التجلي في متى 17 ، مرقس 9 و لوقا 9.
أنبأ الرب يسوع تلاميذه أنه سيسلم بأيدي الكهنة، ويصلب ويدفن ثم يقوم، وبعدها بستة أيام أخذ معه بطرس، يعقوب، ويوحنا، وصعد إلى جبل عالٍ ليصلي معهم منفردين، وإذ تغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً، لا يقدر قصّار على الأرض أن يُبَيِّضَ مثلها وفجأة ظهر النبيان موسى وإيليا.

هذه الحادثة باختصار أنتجت عشرات الأسئلة:
لماذا تجلّى الرب؟ ولماذا تحديداً النبيان موسى وإيليا دوناً عن أنبياء العهد القديم؟ لماذا ثلاثة تلاميذ وليس جميعهم؟ لماذا بطرس ويعقوب ويوحنا على وجه التحديد؟

لماذا تجلى الرب؟
تُظهر هذه الحادثة ألوهية الرب يسوع المسيح، وقدرته على إظهار ذاته لأتباعه، حيث أثبت لهم أنه إله حتى قبل القيامة، فلولا حادثة التجلي كان من الممكن أن تخرج بدع كثيرة تدّعي أن المسيح صار إلهاً بعد القيامة، أما قبلها فقد كان إنساناً عادياً، لكن بعد حادثة التجلي لا يستطيع أي أحد انكار ألوهية المسيح .
أمر عظيم آخر تظهره حادثة التجلي، وهو أن يسوع أخبر تلاميذه قبل ستة أيام أنه سيصلب، وسيؤخذ منهم، وسيدفن ومن ثم سيقوم، وفكرة القيامة بعد الموت أساساً هي فكرة غريبة جداً على التلاميذ، وفكرة أنهم سيخسرونه كارثية بالنسبة لهم، فأراهم بعد ستة أيام مجده كإله ليعرفوا وتعرف البشرية جمعاء أن الرب يسوع المسيح لم يسلّم للصلب رغماً عنه، بل كان ذلك اختياره، حيث نسمع عبارات يرددها الشيطان وأتباعه منذ ألفي عام مثل (أين أبوه ليساعده؟ ماذا استطاع أن يفعل؟ كيف هو ابن الله ويصلب؟)
صُلب لأنه أراد ذلك، مشيئته أن يصلب ويقدم نفسه فداء عن البشرية ليصالحنا مجدداً مع الإله الآب و ليعيدنا لحضن النعمة.

لماذا أخذ معه ثلاثة تلاميذ؟
ذُكر في العهد القديم ( تثنية 19: 15 ) أنه على فم شاهدين أو ثلاثة يقوم الأمر، فهؤلاء الثلاثة هم شهود أمام الجميع على ما رأوه من ألوهية المسيح قبل الصلب.

لماذا بطرس و يعقوب ويوحنا تحديداً دون باقي التلاميذ؟
لم يُذكَر لماذا هؤلاء الثلاثة تحديداً، لكن يمكننا أن نستنبط السبب من عدة أحداث، مثلاً حين إقامة الفتاة الميتة، لم يسمح الرب يسوع أن يدخل للغرفة معه، سوى بطرس و يعقوب ويوحنا، ووالد الفتاة وأمها ( مرقس 5: 37 ) ، وهناك مواضع كثيرة في الكتاب المقدس نجد فيها بطرس ويعقوب ويوحنا مع الرب ( مرقس 14: 33 ) ، وأحياناً أخرى يكون فيها أندراوس ( مرقس 13: 3 )

ولنعلم لمَ هؤلاء الثلاثة تحديداً علينا أن نتمعن في شخصياتهم، نجد أن هناك أموراً مشتركة تجمع كل المؤمنين بالرب يسوع تمثلها هذه الشخصيات الثلاثة:
_ بطرس المحبّ الغيور جداً على الرب، الجاهز للاستشهاد، السيف الحاضر، الكلمة والخدمة الحاضرة، وفي نفس الوقت كان بطرس قد أخطأ قبل ستة أيام، عندما أنبأهم الرب بصلبه، حين انتهره بطرس، وردّ الرب قائلاً له: اغرب عني يا شيطان. ( مرقس 8: 33 )
وهنا الجواب لكل من يتساءل: هل من الممكن أن يتجلى لي الرب؟
نعم.. فقد تجلّى لبطرس بعد أن أخطأ، هناك أخطاء كثيرة نقوم بها دون قصد منا بدافع حب كبير للرب، سوء اختيار كلمات أوطريقة خاطئة للصلاة، لكن الرب يعرف تماماً من يحبّه، ومن يعشقه، و من هو جاهز بالفعل للموت في طريقه.
_ يعقوب، كان قد جاء مع أخيه يوحنا إلى الرب قبل فترة وجيزة مرقس 10: 37 فَقَالَا لَهُ: «أَعْطِنَا أَنْ نَجْلِسَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَٱلْآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فِي مَجْدِكَ».
يعقوب أيضاً يمثل جزءاً من المؤمنين المحبين للرب، لكنهم يريدون التميّز في بعض الأمور عن باقي المؤمنين، وهؤلاء أيضاً يحبهم الرب، لأنه يعلم أنه عند اللزوم سيكونون مثل يعقوب الذي ذُكِرَ عنه أنه كان من أول شهداء المسيحية، ومات بالسيف ( اعمال الرسل 12: 2) وبقي ثابتاً للنهاية حيث يعلم على اسم من يستشهد، ويدرك إكليل النصر والملكوت الذي بانتظاره.
وكم يوجد بيننا من يحبون الرب ولكن يسعون في بعض الأحيان لمكاسب، ولكن في النتيجة هم جاهزون للموت على اسم الرب يسوع المسيح ولا يطلبوا سوى رضاه وملكوته.
_ يوحنا الذي يلقبونه بالحبيب، وهو نفسه الذي اتكأ على صدر الرب يسوع ليلة العشاء ( يوحنا 13: 25)

ونلاحظ أن هناك قواسم مشتركة بين هؤلاء الثلاثة:
1-‏ الإيمان المطلق
2- التبعية المطلقة
3- الثقة المطلقة بالرب
4- الشهادة الحارة
5- الاستعداد للاستشهاد على اسم الرب يسوع المسيح

لا نعرف إن كان باقي التلاميذ كبطرس و يعقوب و يوحنا، ولكن نعرف انهم باتوا جميعهم بعد القيامة رسلاً للرب، أضف الى سبب هام هل يستطيع كل التلاميذ حفظ الوديعة؟ لأن مجد الرب الإله بإخفاء الأمر، حيث طلب الرب منهم إخفاء الأمر إلى ما بعد قيامته، لا ندري إن كان يستطيع باقي التلاميذ فعل ذلك، فلو كان يهوذا موجوداً حينها لربما سلّم الرب قبل الوقت.
أضف أن الرب وحده يعلم من عقله قادر على تحمّل رؤية التجلي دون أن يصاب بالغرور، حيث من الممكن للشيطان أن ينفخه بالغرور كونه رأى الرب عياناً.

لماذا إيليا و موسى؟
لماذا لم يكن أخنوخ أو إرميا أو دانيال؟ حيث هناك الكثير من الأنبياء في العهد القديم.

الجواب : أيضاً هناك قواسم مشتركة تجمع بين موسى وإيليا، حيث يختصران بشخصيتهما كل الأنبياء والمؤمنين الذين رقدوا على رجاء القيامة بالرب يسوع المسيح :
_ يعد موسى وإيليا من أبرز وأقوى أنبياء العهد القديم، ولهما دالة عظيمة عند الرب الإله.
حيث كان موسى يتكلم مع الرب الإله، وشقّ البحر، وقام بأعاجيب كثيرة. ( سفر الخروج )
والنبي إيليا لم يأتِ نبي مثله حتى اليوم، له أيضاً دالة عظيمة عند الرب الإله، إذ استطاع بكلمة منه إيقاف المطر لمدة ثلاث سنوات، وعندما أراد أن تمطر أمطرت، وأنزل ناراً من السماء لتلتهم خمسين شخصاً، وصولاً لإقامة ميت فهو أيضاً نبي عظيم جداً ( سفر الملوك الأول )
_ نلاحظ أن كليهما لهما صفة مشتركة، وهي أنهما أنقذا شعب الرب من عبادات باطلة في العهد القديم، حيث أنقذ موسى الشعب من يد فرعون وعبادات آلهة المصريين، وأنقذ إيليا الشعب من عبادة بعل ومن أنبياء وكهنة بعل.
_ يوجد اختلاف يجعلهما يمثلان نوعين من المؤمنين، حيث كان موسى معروفاً بأنه حليم جداً، بينما كان إيليا غيوراً كنارٍ مشتعلة.
_ جمع النبيان معاً العهد القديم كاملاً فالنبي موسى يمثل الشريعة، والنبي إيليا يمثل الأنبياء.

لندقق في مشهد التجلي و نلاحظ :
1- أُظهِرَت ألوهية الرب يسوع المسيح، وحُسِم الأمر، فلم يعد أحد قادراً على القول أنه إنسان عليه الروح القدس، أو أنه نبيّ يعمل به الروح القدس، بل هو تجلّى كإله للعهدين القديم والجديد، لموسى وإيليا ( العهدالقديم) والتلاميذ ( العهدالجديد ) ، وكأنه جمع العهدين القديم والجديد ليقول إنه رب العهدين معاً، معلناً تتمة العهد القديم في العهد الجديد، مبيناً أن نبوءات العهد القديم عنه قد تحققت.
2- جمع انبياء العهد القديم ( المنتقلين ) مع رسل العهد الجديد ( الأحياء ) ليقول : أنا رب الأحياء و الراقدين.
3- بنوة المسيح للآب :
( متى 17: 4 ) عندما اقترح بطرس صنع مظال ( خيم ) للرب وضيوفه مثلما كان يفعل اليهود في عيد المظال أي خيمة الاجتماع التي كان يجتمع فيها الرب مع الشعب الخارج من مصر، لذلك أراد بطرس صُنع المظال على سبيل تكريم الضيوف، وأثناء كلام بطرس ظللتهم سحابة، كإشارة أن المظال والظل الأعظم يأتي من فوق من عند الرب، ونحن جميعنا ننتظر المظلة الأبدية لتجمعنا كلنا.
وأثناء التجلي دخل الجميع في السحابة، وكان صوت الإله الآب من السحابة يقول في متى 17: 5 «هَذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ ٱسْمَعُوا».
وكأن الرب الإله يقول لنا من خلال هذا المشهد كاملاً أنه لا يريد مظالاً أرضية ولا هياكل مصنوعة بالأيادي، فهو من يظللنا، ويطلب منا فقط أن نسمع لابنه الحبيب الذي أرسله، وحين نسمع له ونتبعه نصل للآب، فالمسيح هو الطريق الوحيد للخلاص.
هناك مئات المعجزات والأحداث في الكتاب المقدس التي تبرهن ربوبية المسيح وألوهيته، وعلى رأسهم حادثة التجلي التي تخبرنا أن المسيح هو الرب .

لماذا أراد بطرس أن يصنع مظال؟
قال بطرس في لوقا 9: 33 ( وَفِيمَا هُمَا يُفَارِقَانِهِ قَالَ بُطْرُسُ لِيَسُوعَ «يَا مُعَلِّمُ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هَهُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلَاثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلِإِيلِيَّا وَاحِدَةً». وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ.)
لم يكن بطرس يعلم ما يقول لشدة خوفه من قوة وعظمة المعجزة التي حدثت، ومثل هذا الأمر يحدث مع مؤمنين كثر ، فعندما يرون الرب يصبحون كطفل صغير يتلعثم بالكلام ولا يعلم ما يقول، أيضاً ما حصل مع بطرس أنه أحبّ أن يفعل أمراً نفعله كلنا، أراد أن يصنع مظالاً للرب يسوع وضيوفه موسى وإيليا، وكم من مسيحيين يعتقدون أنهم يستطيعون اقتناء سكنى الروح القدس والرب الإله بأمور مادية يقومون بها، فتجد من يصنع هيكلاً في بيته، ومن يضع التماثيل والصور والشموع والبخور، و من يقوم بحركات جسدية متكررة، لكن نتعلم في معجزة التجلي أن الرب لا يحتاج لمظال بطرس الأرضية كما لا يحتاج لمصنوعات و هياكل فهيكل الرب في داخلنا.

كيف يتجلى الرب يسوع في حياتنا؟
هناك أمرٌ في غاية الأهمية، أعطاه الروح القدس للتلاميذ والرسل ليلخصوه لنا في الكتاب المقدس بكلمتين، حيث يقول الكتاب أن يسوع أخذ التلاميذ الثلاثة إلى جبل عالٍ وصعدوا (منفردين ليصلوا) ( متى 17: 1 ) ، و هو الجواب لمن يسأل : لماذا لم يتجلى لي الرب يسوع المسيح؟ لمن يتجلى الرب؟ هل يختار الرب ناساً دون ناس ؟
نحتاج أن نصلي منفردين أي ننفصل عن العالم، إذ أن الصعود إلى أعلى الجبل لملاقاة الرب معناه أن ننفصل عن الأرض.
علينا أن ننفصل عن الأرض لنتصل بالسماء ويتجلى لنا الرب.
إذاً نتعلم من حادثة التجلي أنك أنت من تقرر مكانتك بين أبناء الرب وفقاً لمكانة الرب في حياتك، وكم تحبّه، هل لديك غيرة بطرس عليه؟ هل أنت مستعدٌ أن تُقَطَّع بالسيف من أجله مثل يعقوب؟ هل تتبعه بمحبة مطلقة دون خوف وصولاً للصلب مثل يوحنا؟ عندما نجيب عن هذه الأسئلة، يحقّ لنا أن نطالب بتجلي الرب في حياتنا .

7 / آب / 2021

التجلي مع ماغي خزام