الأم ماغي خزام

أول إعلام إنساني شرق أوسطي في أمريكا و العالم

...
Maggie Khozam Articles
الأم ماغي خزام

الكآبة هي حالة من الحزن تصل إلى فقدان الرغبة بكل شيء

الكآبة-ماغي-خزام

الكآبة هي حالة من الحزن تصل بالإنسان إلى فقدان الرغبة بكل شيء، وتعتبر الكآبة من أشرس الحروب الروحية التي يتعرض لها الإنسان، لا تطرحه حبيس أفكاره فحسب، بل وتؤثر سلباً على صحته الجسدية، حتى أنه يفقد الرغبة بالحياة بحدّ ذاتها وصولاً لأفكار الانتحار في بعض الحالات.

أنواع الكآبة:
للكآبة أربعة أنواع: الكآبة الطبيعية، الكآبة المَرَضيّة، الكآبة المؤذية، الكآبة المقدّسة.
1-‏ الكآبة الطبيعية:
هي ردّة فعل طبيعية على حدثٍ أو صدمةٍ ما، مثل حوادث الوفاة، في التكوين 37 نلاحظ حزن يعقوب على ابنه يوسف عندما جلبوا له ثيابه ملطخةً بالدم، وقالوا له أن وحشاً قد افترسه، وكذلك الأمر حزن مريم ومرثا على أخيهما لعازر لما توفى.
وفي بعض الأحيان يكون السبب روحياً مثل ارتكاب الإنسان لخطيئة، وإحساسه أنه قد فقد العيش بمحضر الربّ الإله الذي اعتاد عليه كابن، وبالتالي ممكن أن يحزن ويكتئب بسبب الخطيئة التي ارتكبها، ومثال على ذلك دموع داوود بالمزمور 42: 3 حيث قال بسبب الخطايا التي ارتكبها: “صَارَتْ لِي دُمُوعِي خُبْزًا نَهَارًا وَلَيْلًا إِذْ قِيلَ لِي كُلَّ يَوْمٍ: «أَيْنَ إِلهُكَ؟».“
وعادة تكون الكآبة الطبيعية وقتية، أي أنها تتلاشى مع مرور الزمن على الحادثة والصدمة التي تعرّض لها الإنسان.
2- الكآبة المرضيّة:
تتحول الكآبة الطبيعية إلى كآبة مرضيّة أحياناً، وذلك عندما يرافقها فقدان الرجاء، لأن المكتئب الطبيعي طالما هو على الأرض لديه الرجاء والأمل والإيمان، وعندما يفقد الرجاء عندها تتحول كآبته الطبيعية إلى كآبة المَرَضيّة.
والكآبة المَرَضيّة هي عبارة عن فكر سوداوي يهيمن على الإنسان ويدمّره لدرجة تجعله لا يرى شيئاً جميلاً في الحياة، فلا يستعرض عقله إلا الأفكار السوداء، ولا يستذكر من الماضي إلا ما هو سيئ، ويرى الحاضر مدّمراً، لا أمل ولا عزاء له بشيء، حتى أنه يرفض سماع كلمةً قد تشجعه وتدفعه للأمام، فيستولي عليه الإحباط واليأس ويصل لفقدان الشهية والرغبة في كل شيء ( الطعام، العمل، الدراسة، الأصدقاء، والنزهات، حتى عن الاستحمام في بعض الأحيان) فيعتقد أنه الحياة وصلت إلى نهايتها.
في يوم تواصلت معي امرأة تشكو ابنها الذي كان مقلعاً عن الاستحمام لمدة، وعاقبته كثيراً، لكن دون جدوى ووصل بها الأمر أن تستدعي الشرطة، وتبحث عن عقوبة أكثر فاعلية.
فقلت لها: قبل البحث عن عقوبة له، ابحثي عن استشاري نفسي يجلس معه ويفهم حالته، فقد يكون ابنك مكتئباً، وعدم استحمامه هو إشارة ورسالة يخبرك من خلالها بأن لديه مشكلة نفسية وبحاجة لمساعدة، وبالفعل اتضح لاحقاً أنه مكتئب، و تلقى علاجه.
وكي نعالج الكآبة علينا أن نعرف أسبابها، وأسبابها لا حصر لها، لكن سأتناول الأسباب خمسة الأكثر انتشاراً.

أسباب الكآبة المرضية:
1- الانفصال عن الواقع: رفض الواقع هو سببٌ هامٌ جداً يؤدي بصاحبه إلى الكآبة المرضيّة، كأن يكون بسبب زواج فاشل، أو اصابة بمرض عضال أو الحياة في بلدان تعاني الحروب أو عند التعرض اغتصاب و يصل الأمر أحياناً إلى ارتكاب جريمة لكن هذا سببه الكآبة المتراكمة.
2- عقدة الذنب: هناك أشخاص عندما يموت أحد من أهلهم المقربين، فإنهم يحمّلون الأمر على عاتقهم الشخصي، وكأنهم هم السبب بذلك، أو أنهم يحسبون أنه كان باستطاعتهم فعل شيء ما لكنهم قصّروا، فيعيشون مدّة طويلة بعقدة الذنب التي تؤدي بهم إلى الكآبة.
3- توقع المستحيلات: توقع المستحيلات على صعيد كل من الأحلام والأشخاص، حيث هناك أشخاص يرسمون أحلاماً لأنفسهم منفصلة تماماً عن واقعهم، وليس لديهم أي خطوات بالسعي تجاه هذه الأحلام، فيقعون بالكآبة، مثل امرأة متزوجة من شخص بصفات معينة، وهي تحلم بشخص بمواصفات أخرى؟! ستصاب بالكآبة.
توقع المستحيلات أيضاً يشمل توقعنا مثالية المحيطين بنا، كالحبيب و الصديق، او مثلاً انضمام أحد ما إلى كنيسة مكوناً فكرة مسبقة أنهم سيكونون كملائكة، فيتعرض لصدمة، وصدمة تلو الأخرى يدخل في كآبة، وفي بعض الأحيان يصعب علاج أنواع الكآبة التي تصيب المصدومين ضمن أجواء كانوا يعتبرونها مثالية.
4- الوهم: سأعطي مثالاً على ذلك ( دراما كوين )، وهنّ عادة سيدات حساسات وأنانيات بآنٍ واحد –ذكرت السيدات خصوصاً لأن المرأة تبالغ أكثر من الرجل– فالدراما كوين تجدها تشرح واقعها بمبالغة عما هو، وتتخيل نتائج كارثية أكثر مما قد يحدث، وصولاً إلى أن تتطلب معاملة أكثر دقّةً ورقّةً لدرجة عدم وجود من يعاملها كما ترغب، فتنطوي على ذاتها، وتتلقى الصدمات المتوالية، فتكتئب وتزداد كآبتها بسبب عيشها في وهم غير موجود إلا في مخيلتها، وذلك نتيجة الدراما التي أوقعت نفسها بها.
5- فقدان الرجاء: وهو واحد من أقوى أسلحة الشيطان ضد البشرية، لأنه بمجرد غياب الرجاء تنعدم الرغبة بالحياة، ويمكن للإنسان حينها أن يسلّم نفسه للهلاك بأبسط طريقة ممكنة، ويتم فقدان الرجاء كأن يضع إبليس فكرة في رأسك مثلاً بأنه لا غفران عن خطاياك، أو أن تهيمن عليك أنك جدّفت على الروح القدس.
ذات مرة اتصلت بي امرأة أرادوا أقاربها أخذها إلى مصحّ عقلي، وكان لديها حوالي نصف ساعة لتصل سيارة الاسعاف، مرّ عليها اسبوع دون نوم، ولم تعد تؤثر بها المهدئات – بالطبع هناك علاج للكآبة لكن ليس في مثل هذا الوضع، حيث نستطيع معالجة الأسباب لا النتائج لأن علاجها يكون عادة إما في مصح أو عن طريق الأدوية – وعندما سألتها عن سبب وصولها لهذا الحال، أخبرتني أنها عاشت كل حياتها زانية، ولم ترفض الزنا ولا مرة، فأحست أن لا غفران لها لكثرة زناها، أمضيت فترة النصف ساعة ريثما تصل سيارة الإسعاف وأنا أخبرها بقصص من الكتاب المقدس عن زناة غفر لهن الرب، ورغم أنها اعترفت بخطاياها واخبرتها أن الرب أمين و عادل أن يغفر، لكن كل ذلك لم يجدي نفعاً، وبقيت تكرر أن لا غفران لها، حتى وصل الإسعاف وأخذها.
أود التنويه لأمر هام، سبق وحذرت من استعمال الكتاب المقدس بطريقة التبصير، احذر عندما تكون مكتئباً أن تسأل ربنا عن أمر وتنتظر الجواب من خلال فتح الكتاب بشكل عشوائي، هذه الطريقة تعد تنجيماً، ومن المحتمل أن يستخدمها الشيطان لتظهر لك آيات تزيد من كآبتك.
أعرف فتاةً أخبرتني بأنها فتحت الكتاب المقدس فقرأت عبرانيين 12: 17 “لَمْ يَجِدْ لِلتَّوْبَةِ مَكَانًا، مَعَ أَنَّهُ طَلَبَهَا بِدُمُوعٍ..“, وفتحت مجدداً وهي تسأل هل أنت راضِ عني يا رب؟ فوقعت عيناها على سفر الرؤيا 2: 21 “وَأَعْطَيْتُهَا زَمَانًا لِكَيْ تَتُوبَ عَنْ زِنَاهَا وَلَمْ تَتُبْ.“,ومن ثم عبرانيين 6:6 “لَا يُمْكِنُ تَجْدِيدُهُمْ أَيْضًا لِلتَّوْبَةِ.“ إن ظهور هذه الآيات لكِ لا يعني أن ربنا هو من يعطيكِ هذه الرسالة، إنما تظهر لأنك تنجم بالكتاب، فصحيح أن الكتاب المقدس هو كلمة الله الحية الفعالة لنا، وهو بالفعل يعطينا منه أموراً عديدة، لكن عندما نقرأه، لا عندما نسأل بهذه الطريقة مستبدلين الأبراج بالكتاب المقدس، لأننا حينها نقع بالخطأ، وربما تظهر لنا آيات مقتطعة عن سياقها الطبيعي تؤدي بنا لكوارث نفسية وروحية كبيرة.

3- الكآبة المؤذية:
في بعض الأوقات تطور الكآبة الطبيعية أو الكآبة المرضية لتصبح كآبة مؤذية.
ويحدث مثل هذا الأمر عندما يفشل المكتئب بالقيام بخطيئة معينة، وعلى سبيل المثال: إنسان ما لديه ثأر مع شخص، أراد أن ينتقم منه لكنه فشل، عندها تحولت كآبته المرضية إلى كآبة شريرة مؤذية.
مثال آخر: أخبرتني فتاة أنها تعرضت لاغتصاب، فأمضت سنوات طويلة من عمرها وصلت بها لكآبة سوداوية قاتلة – فتواصلت مع أشخاص تطلب منهم أن يغتصبوا شقيقة من اغتصبها، وكانت محاولاتها تبوء بالفشل، وهذا الفشل ولّد لديها كآبة شريرة، هذه الكآبة نسميها الكآبة المؤذية.
يوجد نماذج عن الكآبة المؤذية في الكتاب المقدس، في صموئيل الثاني الإصحاح ١٣ نجد أمنون الذي استولت عليه الشهوة ورغبته بإقامة علاقة جنسية مع أخته، فوصل به الحال أنه اكتئب ومرض حتى انتهى به الأمر باغتصاب شقيقته، وفي 1 الملوك 21 أيضاً آخاب اكتئب لأنه أراد الاستيلاء على كرم دون وجه حقّ، وتطور الأمر إلى أن قتل صاحب الكرم وأخذ كرمه.
4- الكآبة المقدّسة:
الفرق بين الكآبة المقدسة وكآبة العالم، أن الكآبة المقدسة عادةً يكون لها دوافع وأسباب روحية، وصاحبها يسلك سلوكاً روحياً ضمن فترة كآبته، ولا تكون طويلة الأمد، فهي ليست منهج حياة، إنما عبارة عن فترة مؤقتة ويخرج بعدها المؤمن من كآبته المقدسة.
هناك من يتساءل: هل المؤمن يكتئب؟ أليس من المفروض أن يبقَ فرحاً بالمسيح على الدوام، والجواب: نعم يكتئب، وحتى المسيح شخصياً قد حزن واكتئب، متى 26: 38 “نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى ٱلْمَوْتِ”.

أسباب الكآبة المقدسة:
1- الغيرة المقدسة:
عندما نسمع مثلاً عن عمل ارهابي ضد كنيسة ما نحزن و نكتئب كآبة مقدسة، مع أننا نعلم أن هؤلاء شهداء في الملكوت، وأن الرب أعطاهم ثياباً وهو بذاته يمسح دموعهم، لكننا نكتئب كآبة مقدسة غيرةً على شعب الرب وعلى بيت الرب، كما نرى في الكتاب المقدس غيرة نحميا عندما سمع عن أورشليم أنها دُمّرَت وأبوابها احترقت، فيقول في 1: 4 “جَلَسْتُ وَبَكَيْتُ وَنُحْتُ أَيَّامًا، وَصُمْتُ وَصَلَّيْتُ أَمَامَ إِلَهِ ٱلسَّمَاءِ”, وكان أنه ذهب وطلب من الملك أن يعود ليبني أورشليم، فالكآبة التي أصيب بها ولّدت لدية دافعاً للبناء و التغيير.
2- عندما يكون المؤمن محاطاً ببيئة خاطئة:
يعاني المؤمن عندما تكون عائلته مختلفة عنه بالإيمان من كآبة مقدسة بسبب غيرته على الرب، وخشيته أن تهلك نفوس أحبائه، و مثال على ذلك في الكتاب المقدس كآبة عزرا، عندما زادت خطايا الشعب من حوله، اكتئب وصام وصلّى ونجح بتطهير الشعب، وفي 2 كورنثوس 2: 4 عندما سمع عن انه شخص من كنيسة كورنثوس قد ارتكب خطيئة من الخطايا المميتة، حزن جداً وأرسل لهم يقول: “لِأَنِّي مِنْ حُزْنٍ كَثِيرٍ وَكَآبَةِ قَلْبٍ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ بِدُمُوعٍ كَثِيرَةٍ”.
3- الاضطهادات:
السبب الثالث للكآبة المقدسة يأتي نتيجة الاضطهادات، فالمؤمن مهما وصل سُموّه وعلوّه الروحي هو بشر في لنهاية، يحزن عندما تُدَمَّر خدمته أمامه ، وعندما يُسرَق تعبه، ونلاحظ هذا الأمر عند القديسين بالرسائل وأعمال الرسل، بالرغم أنهم كانوا فرحين بالرب، لكنهم كانوا يمرون بأوقات ضيق من شدّة الاضطهادات والتخلي الذي يتعرضون له، كورنثوس 7: 5 “لِأَنَّنَا لَمَّا أَتَيْنَا إِلَى مَكِدُونِيَّةَ لَمْ يَكُنْ لِجَسَدِنَا شَيْءٌ مِنَ ٱلرَّاحَةِ بَلْ كُنَّا مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: مِنْ خَارِجٍ خُصُومَاتٌ، مِنْ دَاخِلٍ مَخَاوِفٌ.”، وهذه الكآبة أيضاً هي كآبة وقتية لكنها مبررة لأن درب المؤمن شائك جداً وباب دخوله للملكوت ضيق.
4- الزهد والبعد عن الأرضيات:
لا يعود المؤمن مهتماً بالثياب ولا بالحفلات، ولا بالمشروب والتدخين، فالرقص في حفل لمدة ساعتين قد يولد سعادة مؤقتة عند أهل العالم، أما عند المؤمن فلم يعد يعني له شيئاً، وجمع المال قد يشعر الناس بالأمان، على عكس المؤمن الذي يقلقه امتلاك المال، ومن المحتمل أن يولد هذا الزهد كآبة الوجه وهذا الأمر الذي يقول عنه في سفر الجامعة 7: 3 “لِأَنَّهُ بِكَآبَةِ ٱلْوَجْهِ يُصْلَحُ ٱلْقَلْبُ.”.
حيث لم يعد يهتم بالكنوز على الأرض، بل أصبح يكنز له كنوزاً في السماء، لم تعد تهمه حفلات الأرض، وأصبح يركز اهتمامه على العرس الذي يتم في السماء، لم يعد يهتم بما يحصده على الأرض، بل أصبح مهتماً بالنفوس التي يحصدها للسماء، وربما يعتقد الناس أنه مكتئب، لكنه ليس مكتئباً بل زاهدٌ ومكتفٍ جداً بالرب.

علاج الكآبة:
الكآبة هي حرب حقيقية، وتعدّ من أشرس الحروب التي قد يتعرض لها، وطالما أننا ننظر إلى الكآبة كحرب، فعلينا أن نتزوّد بأسلحة لنتغلب عليها، وهنا أتحدث عن الكآبة الطبيعية، المرضية، والمؤذية، لا أتكلم عن الكآبة المقدسة لأنها مؤقتة والمؤمن محصّن ويعرف تماماً كيف يحول الكآبة إلى نصر وفرح وتغيير.

أسلحة علاج الكآبة:
هناك ثلاث أسلحة لعلاج الكآبة لا تخيب:
1- معالجة أسباب الكآبة:
اتصلت بي فتاة تعاني من كآبة مزمنة، لأن والدها كان يتحرش بها لسنوات، وحكماً العلاج الأول والأخير لكل داء هو الصلاة، لكن هناك أمور في الحياة يجب القيام بها ويد الرب تكون معنا وتنصرنا، فأول الحلول التي قدمتها للفتاة هو إبلاغ الشرطة ليأخذ والدها جزاءه بطريقة قانونية.
أيضاً يعتبر الاعتراف علاجاً فعالاً للكآبة، فعندما يكون الإنسان مكتئباً بسبب ثقل خطاياه، عليه أن يعترف بها راكعاً بخشوع وبدموع ويصلي بصوت عالٍ حتى يتعافى، فكما أنه فعل ما فعله أمام الرب بدون خجل، عليه أن يعترف وهو خجل مما ارتكبه، يعقوب 5: 16 “اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِٱلزَلَّاتِ.”, فالرب يعلم ضرورة الاعتراف كعلاج نفسي للإنسان من تراكم الخطايا.
2- تغيير الواقع:
يكون هذا التغيير بدءاً من أمور بسيطة وصولاً إلى تغيير جذري في الحياة، سأذكر أمراً حدث معي في الماضي، حيث عشت طفولة قاسية جداً، وكانت والدتي على بساطتها كلّما رأتني حزينة أو على وشك الدخول في كآبة تقول لي: انهضي وضعي أحمر شفاه!! ما معنى وضع أحمر الشفاه لشخص حزين ومتضايق ومكتئب ودموعه محتبسة من شدّة الحزن؟! لكنّ ذلك بالفعل هو تغيير.
3- الصلاة:
السلاح الأقوى والأول والأخير هو الصلاة وكلام ربنا في الكتاب المقدس، وفي موقعنا (fmcworld.net) تجد في الترويسة من فوق حكمة اليوم، وهي عبارة عن آيات تشجيعية تهدف إلى تلبية احتياج روحي للقارئ .
فعندما يكون لدينا احتياج عاطفي أو روحي معيّن، نسترجع ما يقوله لنا الكتاب في يوحنا 6: 37 “وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لَا أُخْرِجْهُ خَارِجًا.”, وفي رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 2: 4 “ٱلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ.”
هذه الآيات تعطيك دافعاً من جديد، لأن خطاياك مهما بلغت فهي ليست للموت طالما أنك تتنفس، حيث أن باب التوبة لم يغلق بعد، مثل اللص الذي تاب على الصليب حيث أن الرب قبله في آخر لحظة من حياته، فكم أنت أفضل من اللص بكثير ، أخطأت لكنك تعيش حياتك للمسيح.
يقول الرب في يوحنا 16: 22 “فَأَنْتُمْ كَذَلِكَ، عِنْدَكُمُ ٱلْآنَ حُزْنٌ. وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلَا يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ”.
وكما أن هناك لقاحات تعطي مناعة ضد الأمراض، كذلك الكآبة والحروب الروحية لها لقاحات أعطانا إياها الكتاب المقدس كي لا نصاب بكآبة مرضية كما يصاب أبناء العالم.

لقاح الكآبة هو عبارة عن خلطة من عدة أمور تؤدي إلى تحصين أنفسنا من الوقوع في الكآبة المرضية :
1- الرجاء:
الرجاء لا يخزى، في رومية 12: 12 “فَرِحِينَ فِي ٱلرَّجَاءِ”, ونقرأ في أعمال الرسل 14: 22 “يُشَدِّدَانِ أَنْفُسَ ٱلتَّلَامِيذِ وَيَعِظَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي ٱلْإِيمَانِ، وَأَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ.”
مع الرجاء تصبح الضيقات والصعوبات سبب فرح لا كآبة، فالاضطهادات تزيدنا ثقة أننا في الطريق الصحيح، وإن شُتمنا نتذكر أننا سنشتم من أجل الرب يسوع المسيح، فتتحول الحروب السلبية إلى فكر إيجابي.
2- الشكر:
الإنسان الذي يعرف الشكر لا تجد الكآبة طريقاً إليه، يقول الرسول بولس في أفسس 5: 20 “شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي ٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، لِلهِ وَٱلْآبِ.”
3- القناعة:
لا يعني ذلك أن لا يكون لدينا طموح، فالقناعة تعني أن أكون واثقة أن أبي يقدم لي الأفضل ، هناك آية في فيلبي 3: 8 تعد كترس لتلقي الصدمات والرضى والقناعة يقول: “بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ ٱلْمَسِيحَ”.
عندما نعرف أن كل الأشياء تعمل للخير للذين يحبون الإله، عندها نكتسب القناعة اللازمة كي لا نحلم بعيداً عن واقعنا ونقع في الكآبة.
4- الواقعية:
هناك الكثيرون من أعداء الكتاب المقدس يصطادون قصص رجال الرب الإله لينقضوا بعض شخصيات الكتاب، سواء كان نبياً أو ملكاً أو رجلاً من رجال ربنا، هذا زنى، وذاك قتل، فيحاربون الكتاب المقدس لأنه ذكر الخطايا التي قام بها الأنبياء، ولكن هل تعرفون لم سمح الإله بتدوينها ؟ ليبقَ شعب الرب واقعياً، فعندما نرى أن رجال الرب أخطأوا، هذا يعني أنني إذا أخطأت لم تعد خطيتي تؤدي بي إلى الكآبة والهلاك وكأن لا توبة لي، بل أعرف أن باب التوبة مفتوح، وبالتالي ينبغي أن أستفيد من أخطائهم لأعيش الواقع دون تخيلات مثالية تترك مؤمنيها بانعزال عن واقعهم و انفصام بين دينهم و دنياهم.
5- الصبر:
الصبر لقاح و سلاح مفيد جداً ضد الكآبة، ويأتي عادةً نتيجة المشاكل، فالمشاكل تنتج صبراً، يقول في يعقوب 1: 3 “عَالِمِينَ أَنَّ ٱمْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا”, و رومية 5: 3 “وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي ٱلضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ ٱلضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا.”, فالمؤمن المُدَرّب على الحروب الروحية لن يخاف منها.
يتواصل معي كثيرين قائلين أنهم لا يريدون أن يُحارَبوا!
أن تُحارَب فذلك معناه أنك حيّ و أنك ابن الرب وأنك تسير في الطريق الصحيح، فالمسيحي الميت فقط هو من لا يُحارَب روحياً، لأنه في قبضة الشيطان أساساً فمن سيحاربه ؟
فالاضطهاد والشتائم التي قد تتعرض لها بسبب خدمتك او مسيحيتك، هي دلالة على أنك حيّ روحياً، وتساعدك لتتدرب كيف تحمل الصبر مثل الترس تماماً، لأنه حسبما جاء في أخبار الثاني 20: 17 “قِفُوا ٱثْبُتُوا وَٱنْظُرُوا خَلَاصَ ٱلرَّبِّ مَعَكُمْ”, هذه الآية بمثابة المفتاح لمعظم مشاكل حياتنا التي نمرّ فيها على الصعيد الروحيّ، نقف ونطلب من الرب أن يحارب عنا، لنرى مجده في حياتنا.

في الختام، علينا أن ننظر إلى الكآبة على أنها شيطان، حتى نتغلب عليها ولا نستسلم لها، فعندما تريد الهروب من واقعك، إياك أن تختار الكآبة كحلّ وتنعزل عن العالم، لأنك بذلك تسمح للشيطان بأن يسحقك، فعندما تنظر إلى الكآبة على أنها سلاح من أسلحة الشيطان، ستحاربها كجندي محارب، وسترتدي الزي الكامل لهذا الجندي والذي هو الصبر والرجاء والصلاة، وستتحصن بالإيمان الذي استقيته من الكتاب المقدس و سيمدك الروح القدس بالقوة ، لتحارب بشكل صحيح كي لا تقع بفخ الكآبة و لا تصل للنوع المَرَضي ثم المؤذي الشرير الذي يؤدي للخطايا.

في كلّ مرة تشعر بالحزن الذي يؤدي للكآبة، لا تستسلم، قم وانفض نفسك من جديد، تذكّر دائماً حتى ولو كنت مخطئاً، أن لا تركّز على ثقل خطيئتك، بل ركز على محبة ربنا الكبيرة لك، إشعياء 1: 18 “يَقُولُ ٱلرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَٱلْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَٱلثَّلْجِ.”, هذه وعود الرب لنا، وعلينا أن نتمسك بها، كما يقول الرب في يوحنا 6: 37 “وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لَا أُخْرِجْهُ خَارِجًا.” و في رومية 8: 28 “ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الإله.”
أتعامل مع مشاكلي بأن أراها كأوساخ تعلق بملابسي، فعوضاً عن هروبي وطمر نفسي بالأوساخ العالقة بي، أبحث عن طريقة لأتخلص منها واحدة تلو الأخرى، وهناك طريقة أنا دربت نفسي عليها بشكل شخصي، لكنها من نوع قاس جداً إلا أنها مفيد جداً أيضاً، و هي ليس فقط أن ننزع المشاكل والأوساخ العالقة، بل نتعلم جمع هذه المشاكل كمن يجمع الحجارة الملقاة عليه ليصنع منها درجاً ويصعد فوقها ليستخدمها لقفزة ثانية من النجاح والتغيير والانتصار، نتعلم دائماً بالمسيحية مع الرب يسوع المسيح، أن لا نرى القبر، بل ان نرى الغطاء المفتوح عن القبر.
دمتم بخير.

10 / نيسان / 2021

الكآبة مع الأم ماغي خزام